: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» . أَيْ إنَّ بِيعَ الْخِيَارِ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِيهِ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، إلَّا أَنْ تَشَائِي وَاحِدَةً. فَقَالَتْ: قَدْ شِئْت وَاحِدَةً. طَلُقَتْ وَاحِدَةً، عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. وَعَلَى قَوْلِهِمْ: لَا تَطْلُقُ شَيْئًا.
[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِمَشِيئَةِ فُلَانٍ أَوْ لِرِضَاهُ أَوْ لَهُ]
(٥٩٧٩) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِمَشِيئَةِ فُلَانٍ. أَوْ: لِرِضَاهُ. أَوْ: لَهُ. طَلُقَتْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ لِكَوْنِهِ قَدْ شَاءَ ذَلِكَ، أَوْ رَضِيَهُ، أَوْ لِيَرْضَى بِهِ، كَقَوْلِهِ: هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ، أَوْ لِرِضَى اللَّهِ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِهِ الشَّرْطَ. دُيِّنَ. قَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ. وَهَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَحْبَبْت أَوْ إنْ أَرَدْت أَوْ إنْ كَرِهْت]
(٥٩٨٠) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَحْبَبْت. أَوْ: إنْ أَرَدْت. أَوْ: إنْ كَرِهْت. احْتَمَلَ أَنْ يَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بُقُولِهَا بِلِسَانِهَا: قَدْ أَحْبَبْت. أَوْ: أَرَدْت. أَوْ: كَرِهْت. لِأَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ فِي الْقَلْبِ، لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا إلَّا مِنْ قِبَلِهَا، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِقَوْلِهَا، كَالْمَشِيئَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِمَا فِي الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ، وَيَكُونَ اللِّسَانُ دَلِيلًا عَلَيْهِ. فَعَلَى هَذَا، لَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِوُجُودِهِ، وَقَعَ طَلَاقُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ، وَلَوْ قَالَتْ: أَنَا أُحِبُّ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَتْ: كُنْت كَاذِبَةً. لَمْ تَطْلُقْ.
وَإِنْ قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِالنَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَقَالَتْ: أَنَا أُحِبُّ ذَلِكَ. فَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْهَا، فِلْمُ يُجِبْ فِيهَا بِشَيْءٍ، وَفِيهَا احْتِمَالَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا تَطْلُقُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ فِي الْقَلْبِ، وَلَا تُوجَدُ مِنْ أَحَدٍ مَحَبَّةُ ذَلِكَ، وَخَبَرُهَا بِحُبِّهَا لَهُ كَذِبٌ مَعْلُومٌ، فَلَمْ يَصْلُحْ دَلِيلًا عَلَى مَا فِي قَلْبِهَا. وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي، أَنَّهَا تَطْلُقُ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْقَلْبِ لَا يُوقَف عَلَيْهِ إلَّا مِنْ لِسَانِهَا، فَاقْتَضَى تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِلَفْظِهَا بِهِ، كَاذِبَةً كَانَتْ أَوْ صَادِقَةً، كَالْمَشِيئَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ ذَلِكَ. وَبَيْن قَوْلِهِ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَهُ بِقَلْبِكِ. لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَلْبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute