وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١] .
وَقَوْلُهُ: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: ٣] وَالْآيَةُ أُرِيدَ بِهَا مَا ذَبَحُوهُ بِشَرْطِهِ كَالْمُسْلِمِ. فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَسَمَّى الذَّابِحُ أَمْ لَا؟ أَوْ ذَكَرَ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ أَمْ لَا؟ فَذَبِيحَتُهُ حَلَالٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ لَنَا أَكْلَ مَا ذَبَحَهُ الْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيُّ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّنَا لَا نَقِفُ عَلَى كُلِّ ذَابِحٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ قَوْمًا حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ، يَأْتُونَنَا بِلَحْمٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا؟ قَالَ: سَمُّوا أَنْتُمْ، وَكُلُوا» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
[فَصْلٌ ذَبَحَ الْكِتَابِيُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ كُلِّ ذِي ظُفْرٍ]
(٧٧٧٥) فَصْلٌ: وَإِذَا ذَبَحَ الْكِتَابِيُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، مِثْلَ كُلِّ ذِي ظُفْرٍ. قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ الْأَيْلُ وَالنَّعَامُ وَالْبَطُّ، وَمَا لَيْسَ بِمَشْقُوقِ الْأَصَابِعِ. أَوْ ذَبَحَ دَابَّةً لَهَا شَحْمٌ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ إبَاحَتُهُ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ حَكَى عَنْ مَالِكٍ، فِي الْيَهُودِيِّ يَذْبَحُ الشَّاةَ، قَالَ: لَا يَأْكُلُ مِنْ شَحْمِهَا.
قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا مَذْهَبٌ دَقِيقٌ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ صَحِيحًا. وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ، وَأَبِي الْخَطَّابِ. وَذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ، وَالْقَاضِي، إلَى تَحْرِيمِهَا. وَحَكَاهُ التَّمِيمِيُّ عَنْ الضَّحَّاكِ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَوَّارٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: ٥] . وَلَيْسَ هَذَا مِنْ طَعَامِهِمْ.
وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْبَهِيمَةِ، لَمْ يُبَحْ لِذَابِحِهَا، فَلَمْ يُبَحْ لِغَيْرِهِ، كَالدَّمِ. وَلَنَا، مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ «، قَالَ: دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ مِنْ قَصْرِ خَيْبَرَ، فَنَزَوْت لِآخُذَهُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَبَسَّمُ إلَيَّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهَا ذَكَاةٌ أَبَاحَتْ اللَّحْمَ وَالْجِلْدَ، فَأَبَاحَتْ الشَّحْمَ، كَذَكَاةِ الْمُسْلِمِ.
وَالْآيَةُ حُجَّةٌ لَنَا؛ فَإِنَّ مَعْنَى طَعَامِهِمْ ذَبَائِحُهُمْ، كَذَلِكَ فَسَّرَهُ الْعُلَمَاءُ، وَقِيَاسُهُمْ يَنْتَقِضُ بِمَا ذَبَحَهُ الْغَاصِبُ.
(٧٧٧٦) فَصْلٌ: وَإِنْ ذَبَحَ شَيْئًا يَزْعُمُ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، فَهُوَ حَلَالٌ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ. وَقَوْلُهُ: إنَّهُ حَرَامٌ. غَيْرُ مَقْبُولٍ.
[مَسْأَلَةٌ ذَبِيحَةِ الْأَخْرَسِ]
(٧٧٧٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (فَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ، أَوْمَأَ إلَى السَّمَاءِ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى إبَاحَةِ ذَبِيحَةِ الْأَخْرَسِ؛ مِنْهُمْ اللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يُشِيرُ إلَى السَّمَاءِ؛ لِأَنَّ