للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبه عَقْدُ الذِّمَّةِ وَالْهُدْنَةِ]

(٧٦٥١) فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الذِّمَّةِ وَالْهُدْنَةِ، إلَّا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِنَظَرِ الْإِمَامِ وَمَا يَرَاهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، وَلِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ عَقْدٌ مُؤَبَّدٌ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُفْتَاتَ بِهِ عَلَى الْإِمَامِ، فَإِنْ فَعَلَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، لَمْ يَصِحَّ، لَكِنْ إنْ عَقَدَهُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ، لَزِمَ الْإِمَامَ إجَابَتُهُمْ إلَيْهِ، وَعَقْدُهَا عَلَيْهِ.

[فَصْلٌ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ]

(٧٦٥٢) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَشْرُطَ عَلَيْهِمْ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ، ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ عُمَرَ شَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَأَنْ يُصْلِحُوا الْقَنَاطِرَ، وَإِنْ قُتِلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِهِمْ فَعَلَيْهِمْ دِيَتُهُ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَعَلْفَ دَوَابِّهِمْ، وَمَا يُصْلِحُهُمْ.

وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرَبَ عَلَى نَصَارَى أَيْلَةَ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ نَفْسٍ، فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَأَنْ يُضِيفُوا مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» وَلِأَنَّ فِي هَذَا ضَرْبًا مِنْ

الْمَصْلَحَةِ

، لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا امْتَنَعُوا مِنْ مُبَايَعَةِ الْمُسْلِمِينَ إضْرَارًا بِهِمْ، فَإِذَا شُرِطَتْ عَلَيْهِمْ الضِّيَافَةُ أُمِنَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ الضِّيَافَةُ عَلَيْهِمْ، لَمْ تَجِبْ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

وَمِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ: تَجِبُ بِغَيْرِ شَرْطٍ، كَوُجُوبِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ أَدَاءُ مَالٍ، فَلَمْ يَجِبْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ، كَالْجِزْيَةِ، فَإِنْ شَرَطَهَا عَلَيْهِمْ، فَامْتَنَعُوا مِنْ قَبُولِهَا، لَمْ تُعْقَدْ لَهُمْ الذِّمَّةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ عَلَيْهَا. وَلَنَا أَنَّهُ شَرْطٌ سَائِغٌ، امْتَنَعُوا مِنْ قَبُولِهِ، فَقُوتِلُوا عَلَيْهِ كَالْجِزْيَةِ.

(٧٦٥٣) فَصْلٌ: ذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الضِّيَافَةَ، فَإِنَّهُ يُبَيِّنُ أَيَّامَ الضِّيَافَةِ، وَعَدَدَ مَنْ يُضَافُ مِنْ الرَّجَّالَةِ وَالْفَرَسَانِ، فَيَقُولُ: تُضِيفُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةَ يَوْمٍ عَشَرَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ، مِنْ خُبْزِ كَذَا وَأُدْمِ كَذَا، وَلِلْفَرَسِ مِنْ التِّبْنِ كَذَا، وَمِنْ الشَّعِيرِ كَذَا فَإِنْ شَرَطَ الضِّيَافَةَ مُطْلَقًا، صَحَّ فِي الظَّاهِرِ، لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ وَلَا تَقْدِيرٍ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا أَطْلَقَ مُدَّةَ الضِّيَافَةِ فَالْوَاجِبُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُكَلَّفُونَ الذَّبِيحَةَ، وَلَا ضِيَافَتَهُمْ بِأَرْفَعَ مِنْ طَعَامِهِمْ، لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ شَكَا إلَيْهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُكَلِّفُونَهُمْ الذَّبِيحَةَ، فَقَالَ: أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَلَا يُكَلَّفُونَ الذَّبِيحَةَ وَلَا الشَّعِيرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>