إلَى الرِّفْقِ بِهِ. وَأَمَّا مُفَارَقَةُ الْإِمَامِ فَجَائِزَةٌ لِلْعُذْرِ، وَلَا بُدَّ مِنْهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ، فَإِنَّهُمْ جَوَّزُوا لِلطَّائِفَةِ الْأُولَى مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ وَالذَّهَابَ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَهَذَا أَعْظَمُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ، وَلَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
(١٤٤٣) فَصْلٌ: وَإِنْ صَلَّى بِهِمْ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَلَكِنْ يَكُونُ تَارِكًا لِلْأَوْلَى وَالْأَحْسَنِ. وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. (١٤٤٤) فَصْلٌ: وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِذَلك نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ. وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ الَّتِي بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ مِمَّنْ تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِكِفَايَتِهَا وَحِرَاسَتِهَا، وَمَتَى خُشِيَ اخْتِلَالُ حَالِهِمْ وَاحْتِيجَ إلَى مَعُونَتِهِمْ بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَنْهَدَ إلَيْهِمْ بِمَنْ مَعَهُ، وَيَبْنُوا عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِمْ.
[فَصْلٌ صَلَّوْا الْجُمُعَة صَلَاة الْخَوْف]
(١٤٤٥) فَصْلٌ: فَإِنْ صَلَّوْا الْجُمُعَةَ صَلَاةَ الْخَوْفِ جَازَ، إذَا كَانَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ أَرْبَعِينَ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْعَدَدُ شَرْطٌ فِي الْجُمُعَةِ كُلِّهَا، وَمَتَى ذَهَبَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى بَقِيَ الْإِمَامُ مُنْفَرِدًا، فَتَبْطُلُ كَمَا لَوْ نَقَصَ الْعَدَدُ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا جَازَ لِأَجْلِ الْعُذْرِ، وَلِأَنَّهُ يَتَرَقَّبُ مَجِيءَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى، بِخِلَافِ الِانْفِضَاضِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَيُصَلِّيَ بِالْأُخْرَى، حَتَّى يُصَلِّيَ مَعَهُ مَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
[فَصْلٌ الطَّائِفَة الْأُولَى فِي حُكْم الِائْتِمَام فِي صَلَاة الْخَوْف]
(١٤٤٦) فَصْلٌ: وَالطَّائِفَةُ الْأُولَى فِي حُكْمِ الِائْتِمَامِ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ، فَإِنْ سَهَا لَحِقَهُمْ حُكْمُ سَهْوِهِ فِيمَا قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ، وَإِنْ سَهَوْا لَمْ يَلْزَمْهُمْ حُكْمُ سَهْوِهِمْ، لِأَنَّهُمْ مَأْمُومُونَ. وَأَمَّا بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ: فَإِنْ سَهَا لَمْ يَلْزَمْهُمْ حُكْمُ سَهْوِهِ، فَإِنْ سَهَوْا لَحِقَهُمْ حُكْمُ سَهْوِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُنْفَرِدُونَ.
وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ، فَيَلْحَقُهَا حُكْمُ سَهْوِ إمَامِهَا فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، مَا أَدْرَكَتْ مِنْهَا وَمَا فَاتَهَا، كَالْمَسْبُوقِ يَلْحَقُهُ حُكْمُ سَهْوِ إمَامِهِ فِيمَا لَمْ يُدْرِكْهُ.
وَلَا يَلْحَقُهَا حُكْمُ سَهْوِهَا فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهَا؛ لِأَنَّهَا إنْ فَارَقَتْهُ فِعْلًا لِقَضَاءِ مَا فَاتَهَا، فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمُؤْتَمِّ بِهِ، لِأَنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ بِسَلَامِهِ، فَإِذَا فَرَغَتْ مِنْ قَضَاءِ مَا فَاتَهَا، سَجَدَ وَسَجَدَتْ مَعَهُ، فَإِنْ سَجَدَ الْإِمَامُ قَبْلَ إتْمَامِهَا سَجَدَتْ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَّةٌ بِهِ، فَيَلْزَمُهَا مُتَابَعَتُهُ، وَلَا تُعِيدُ السُّجُودَ بَعْدَ فَرَاغِهَا مِنْ التَّشَهُّدِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَنْفَرِدْ عَنْ الْإِمَامِ، فَلَا يَلْزَمُهَا مِنْ السُّجُودِ أَكْثَرُ مِمَّا يَلْزَمهُ، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يَنْبَنِي هَذَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَسْبُوقِ إذَا سَجَدَ مَعَ إمَامِهِ ثُمَّ قَضَى مَا عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute