مَعَ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ، وَالْأَبُ قَدْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الِابْنُ كَبِيرًا، وَالْأَبُ زَمِنٌ، فَهُوَ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ آكَدُ، وَحَاجَتَهُ أَشَدُّ. وَيَحْتَمِلُ تَقْدِيمَ الِابْنِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَجَبَتْ بِالنَّصِّ. وَإِنْ كَانَا صَحِيحَيْنِ فَقِيرَيْنِ، فَفِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا، التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْقُرْبِ، وَتَقَابُلِ مَرْتَبَتِهِمَا. وَالثَّانِي، تَقْدِيمُ الِابْنِ؛ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ بِالنَّصِّ. وَالثَّالِثُ. تَقْدِيمُ الْأَبِ، لِتَأَكُّدِ حُرْمَتِهِ.
وَإِنْ اجْتَمَعَ أَبَوَانِ، فَفِيهِمَا الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ؛ أَحَدُهَا، التَّسْوِيَةُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَالثَّانِي، تَقْدِيمُ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالْبِرِّ، وَلَهَا فَضِيلَةُ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ وَالتَّرْبِيَةِ، وَزِيَادَةُ الشَّفَقَةِ، وَهِيَ أَضْعَفُ وَأَعْجَزُ. وَالثَّالِثُ، تَقْدِيمُ الْأَبِ، لِفَضِيلَتِهِ، وَانْفِرَادِهِ بِالْوِلَايَةِ عَلَى وَلَدِهِ، وَاسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ، وَإِضَافَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلَدَ وَمَالَهُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك.» وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَإِنْ اجْتَمَعَ جَدٌّ وَأَخٌ احْتَمَلَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي اسْتِحْقَاقِ مِيرَاثِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْجَدَّ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ لَهُ مَزِيَّةَ الْوِلَادَةِ وَالْأُبُوَّةِ، وَلِأَنَّ ابْنَ ابْنِهِ يَرِثُهُ مِيرَاثَ ابْنٍ، وَيَرِثُ الْأَخُ مِيرَاثَ أَخٍ، وَمِيرَاثُ الِابْنِ آكَدُ فَالنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ بِهِ تَكُونُ آكَدَ. وَإِنْ كَانَ مَكَانَ الْأَخِ ابْنُ أَخٍ أَوْ عَمٌّ فَالْجَدُّ أَوْلَى بِكُلِّ حَالٍ.
[فَصْلٌ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ]
(٦٥٠٥) فَصْلٌ: وَالْوَاجِبُ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ قَدْرُ الْكِفَايَةِ مِنْ الْخُبْزِ وَالْأُدْمِ وَالْكِسْوَةِ، بِقَدْرِ الْعَادَةِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِلْحَاجَةِ، فَتَقَدَّرَتْ بِمَا تَنْدَفِعُ بِهِ الْحَاجَةُ، وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهِنْدٍ: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ فَقَدَّرَ نَفَقَتَهَا وَنَفَقَةَ وَلَدِهَا بِالْكِفَايَةِ. فَإِنْ احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ فَعَلَيْهِ إخْدَامُهُ» ، كَمَا قُلْنَا فِي الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ كِفَايَتِهِ.
[مَسْأَلَةٌ عَلَى الْمُعْتِقِ نَفَقَةُ مُعْتَقِهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا]
(٦٥٠٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَعَلَى الْمُعْتِقِ نَفَقَةُ مُعْتَقِهِ، إذَا كَانَ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ وَارِثُهُ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ، وَأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ، وَالْمُعْتِقُ وَارِثُ عَتِيقِهِ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إذَا كَانَ فَقِيرًا، وَلِمَوْلَاهُ يَسَارٌ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ، بِنَاءً عَلَى أُصُولِهِمْ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute