فِي الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ هَاهُنَا فَسَادَ الْبَيْعِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ ذَلِكَ.
[فَصْلٌ الشُّرُوطُ فِي الرَّهْنِ]
(٣٣٦٢) فَصْلٌ: وَالشُّرُوطُ فِي الرَّهْنِ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ؛ صَحِيحًا وَفَاسِدًا، فَالصَّحِيحُ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ كَوْنَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ عَيَّنَهُ، أَوْ عَدْلَيْنِ، أَوْ أَكْثَرِ، أَوْ أَنْ يَبِيعَهُ الْعَدْلُ عِنْدَ حُلُولِ الْحَقِّ. وَلَا نَعْلَمُ فِي صِحَّةِ هَذَا خِلَافًا، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ الْمُرْتَهِنُ، صَحَّ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِيمَا يَتَنَافَى فِيهِ الْغَرَضَانِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ.
وَوَجْهُ التَّنَافِي أَنَّ الرَّاهِنَ يُرِيدُ الصَّبْرَ عَلَى الْمَبِيعِ، وَالِاحْتِيَاطَ فِي تَوْفِيرِ الثَّمَنِ، وَالْمُرْتَهِنَ يُرِيدُ تَعْجِيلَ الْحَقِّ، وَإِنْجَازَ الْبَيْعِ. وَلَنَا، أَنَّ مَا جَازَ تَوْكِيلُ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ فِيهِ، جَازَ تَوْكِيلُ الْمُرْتَهِنِ فِيهِ، كَبَيْعِ عَيْنٍ أُخْرَى، وَلِأَنَّ مَنْ جَازَ أَنْ يُشْتَرَطَ لَهُ الْإِمْسَاكُ، جَازَ اشْتِرَاطُ الْبَيْعِ لَهُ، كَالْعَدْلِ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ الْغَرَضَيْنِ، إذَا كَانَ غَرَضُ الْمُرْتَهِنِ مُسْتَحَقًّا لَهُ، وَهُوَ اسْتِيفَاءُ الثَّمَنِ عِنْدَ حُلُولِ الْحَقِّ، وَإِنْجَازِ الْبَيْعِ؛ وَعَلَى أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا وَكَّلَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِغَرَضِهِ، فَقَدْ سَمَحَ لَهُ بِذَلِكَ، وَالْحَقُّ لَهُ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ السَّمَاحَةِ بِهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ فَاسِقًا فِي بَيْعِ مَالِهِ وَقَبْضِ ثَمَنِهِ.
وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا، فَلِأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ يَكُونُ بَائِعًا مُشْتَرِيًا، وَمُوجِبًا، قَابِلًا، وَقَابِضًا مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
[فَصْلٌ رَهَنَهُ أَمَةً فَشَرَطَ كَوْنَهَا عِنْدَ امْرَأَةٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ لَهَا]
(٣٣٦٣) فَصْلٌ: وَإِذَا رَهَنَهُ أَمَةً، فَشَرَطَ كَوْنَهَا عِنْدَ امْرَأَةٍ، أَوْ ذِي مَحْرَمٍ لَهَا، أَوْ كَوْنَهَا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ عَلَى وَجْهٍ لَا يُفْضِي إلَى الْخَلْوَةِ بِهَا، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا زَوْجَاتٌ، أَوْ سَرَارِيٌّ، أَوْ نِسَاءٌ مِنْ مَحَارِمِهِمَا مَعَهُمَا فِي دَارِهِمَا، جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى مُحَرَّمٍ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَسَدَ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا. وَلَا يَفْسُدُ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى نَقْصٍ، وَلَا ضَرَرٍ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ رَهَنَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، يَصِحُّ الرَّهْنُ، وَيَجْعَلُهَا الْحَاكِمُ عَلَى يَدِ مَنْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ.
وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا، فَشَرَطَ مَوْضِعَهُ، جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ مَوْضِعَهُ، صَحَّ أَيْضًا، كَالْأَمَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّ لِلْأَمَةِ عُرْفًا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، فَإِنَّ الْأَمَةَ إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ مِمَّنْ يَجُوزُ وَضْعُهَا عِنْدَهُ كَالْعَبْدِ، وَإِذَا كَانَ مُرْتَهِنُ الْعَبْدِ امْرَأَةً لَا زَوْجَ لَهَا، فَشَرَطَتْ كَوْنِهِ عِنْدَهَا عَلَى وَجْهٍ يُفْضِي إلَى خَلْوَتِهِ بِهَا، لَمْ يَجُزْ أَيْضًا، فَاسْتَوَيَا.
[فَصْلٌ وَالْقِسْمُ الثَّانِي الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فِي الرَّهْن]
(٣٣٦٤) فَصْلٌ: وَالْقِسْمُ الثَّانِي، الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الرَّهْنِ نَحْوِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَلَّا يُبَاعَ الرَّهْنُ عِنْدَ حُلُول الْحَقِّ، أَوْ لَا يُسْتَوْفَى الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ، أَوْ لَا يُبَاعُ مَا خِيفَ تَلَفُهُ، أَوْ بَيْعَ الرَّهْنِ بِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ، أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَهُ إلَّا بِمَا يُرْضِيه. فَهَذِهِ شُرُوطٌ فَاسِدَةٌ؛ لِمُنَافَاتِهَا مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَإِنَّ