احْتَمَلَ أَنْ يَعْتِقَ فِي الْحَالِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ كَيْفَ لَا تَقْتَضِي شَرْطًا وَلَا وَقْتًا وَلَا مَكَانًا فَلَا تَقْتَضِي تَوْقِيفَ الْعِتْقِ، وَإِنَّمَا هِيَ صِفَةٌ لِلْحَالِ فَتَقْتَضِي وُقُوعَ الْحُرِّيَّةِ عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَعْتِقَ حَتَّى يَشَاءَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تَقْتَضِي الْخِيَارَ فَتَقْتَضِي أَنْ لَا يَعْتِقَ قَبْلَ اخْتِيَارِهِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ مَتَى شِئْت لِأَنَّ كَيْفَ تُعْطِي مَا تُعْطِي مَتَى وَأَيٌّ فَحُكْمُهَا حُكْمُهُمَا.
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْت وَحَيْثُ شِئْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءَ، فَيَجِيءُ هَاهُنَا مِثْلُهُ.
[فَصْل تَعْلِيق الْعِتْق عَلَى أَدَاءِ شَيْءٍ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ]
(٨٦٤١) فَصْلٌ وَتَعْلِيقُ الْعِتْقِ عَلَى أَدَاءِ شَيْءٍ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا تَعْلِيقُهُ عَلَى صِفَةٍ مَحْضَةٍ كَقَوْلِهِ إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ، فَهَذِهِ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لَا سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهَا لِأَنَّهُ أَلْزَمَهَا نَفْسَهُ طَوْعًا فَلَمْ يَمْلِك إبْطَالَهَا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَوْ اتَّفَقَ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ عَلَى إبْطَالِهَا لَمْ تَبْطُلْ بِذَلِكَ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ السَّيِّدُ مِنْ الْأَلْفِ لَمْ يَعْتِقْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَبْطُلْ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِي ذِمَّتِهِ يُبَرِّئُهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ مَحْضٍ، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ انْفَسَخَتْ الصِّفَةُ لِأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ عَنْهُ فَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي مِلْك غَيْرِهِ، وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ زَالَتْ الصِّفَةُ، فَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ عَادَ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا قَبْلُ وَمَتَى وُجِدَتْ الصِّفَةُ عَتَقَ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِ إعْتَاقِ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ مُعَلَّقٍ عَلَى صِفَةٍ وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّعْلِيقِ فَيُوجَدُ بِوُجُودِ الصِّفَةِ كَالطَّلَاقِ وَمَا يَكْسِبُهُ الْعَبْدُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَقْدٌ يَمْنَعُ كَوْنَ كَسْبِهِ لِسَيِّدِهِ إلَّا أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ السَّيِّدُ مِنْهُ يَحْسُبُهُ مِنْ الْأَلْفِ الَّتِي أَدَّاهَا، فَإِذَا كَمَلَ أَدَاؤُهَا عَتَقَ وَمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ أَمَةً فَوَلَدَتْ لَمْ يَتْبَعْهَا وَلَدُهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا أَمَةٌ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ عِتْقٌ مِنْ السَّيِّدِ بِصِفَةٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَ عِتْقَهَا وَلَا يَعْتِقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْأَلْفَ بِكَمَالِهَا.
وَذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّ مِنْ أَصْلِنَا، أَنَّ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِصِفَةٍ يُوجَدُ بِوُجُودِ بَعْضِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ أَكَلْت رَغِيفًا. فَأَكَلَ بَعْضَهُ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لَوُجُوهٍ: أَحَدُهَا، أَنَّ أَدَاءَ الْأَلْفِ شَرْطُ الْعِتْقِ، وَشُرُوطُ الْأَحْكَامِ يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا بِكَمَالِهَا لِثُبُوتِ الْأَحْكَامِ، وَتَنْتَفِي بِانْتِفَائِهَا بِدَلِيلِ سَائِرِ شُرُوطِ الْأَحْكَامِ. الثَّانِي، أَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ عَلَى وَصْفِ ذِي عَدَدٍ، فَالْعَدَدُ وَصْفٌ فِي الشَّرْطِ، وَمَتَى عَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَى شَرْطٍ ذِي وَصْفٍ، لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ خَرَجْت عَارِيًّا، فَأَنْتَ حُرٌّ. فَخَرَجَ لَابِسًا، لَا يَعْتِقُ، فَكَذَلِكَ الْعَدَدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute