للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآخَرِ، فَإِنَّهَا لَا تَجْلِسُ مِمَّا بَعْدَهُ مِنْ الشُّهُورِ إلَّا ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجْلِسُ خَمْسَةً مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ، وَإِنْ رَأَتْ خَمْسَةً فِي شَهْرَيْنِ، فَهَلْ تَنْتَقِلُ عَادَتُهَا إلَى خَمْسَةٍ؟ يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الْعَادَةُ، وَإِنْ رَأَتْ الْخَمْسَةَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ، انْتَقَلَتْ إلَيْهَا، وَجَلَسَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةً، بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَهُمْ.

[مَسْأَلَةُ كَانَتْ لَهَا أَيَّامٌ فَرَأَتْ الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ]

(٥٠٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ كَانَتْ لَهَا أَيَّامٌ فَرَأَتْ الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَهِيَ طَاهِرٌ، تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، فَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ، لَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْهِ حَتَّى تَجِيءَ أَيَّامُهَا) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا، فِي الطُّهْرِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ. وَالثَّانِي، فِي حُكْمِ الدَّمِ الْعَائِدِ بَعْدَهُ.

فَصْلٌ: أَمَّا الْأَوَّلُ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ مَتَى رَأَتْ الطُّهْرَ فَهِيَ طَاهِرٌ تَغْتَسِلُ، وَتَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ، سَوَاءٌ رَأَتْهُ فِي الْعَادَةِ، أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ قَلِيلِ الطُّهْرِ وَكَثِيرِهِ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَّا مَا رَأَتْ الطُّهْرَ سَاعَةً فَلْتَغْتَسِلْ. وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ انْقِطَاعَ الدَّمِ مَتَى نَقَصَ عَنْ الْيَوْمِ، فَلَيْسَ بِطُهْرٍ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا فِي النِّفَاسِ، أَنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إلَى مَا دُونَ الْيَوْمِ.

وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَجْرِي مَرَّةً، وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى، وَفِي إيجَابِ الْغُسْلِ عَلَى مَنْ تَطْهُرُ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ حَرَجٌ يَنْتَفِي بِقَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] . وَلِأَنَّنَا لَوْ جَعَلْنَا انْقِطَاعَ الدَّمِ سَاعَةً طُهْرًا، وَلَا تَلْتَفِتُ إلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ الدَّمِ، أَفْضَى إلَى أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ لَهَا حَيْضٌ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ انْقِطَاعُ الدَّمِ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ طُهْرًا، إلَّا أَنْ تَرَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُهُ فِي آخِرِ عَادَتِهَا، أَوْ تَرَى الْقُصَّةَ الْبَيْضَاءَ، وَهُوَ شَيْءٌ يَتْبَعُ الْحَيْضَ أَبْيَضُ، يُسَمَّى التَّرِيَّةَ.

رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ إمَامِنَا، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْقُصَّةَ الْبَيْضَاءَ هِيَ الْقُطْنَةُ الَّتِي تَحْشُوهَا الْمَرْأَةُ، إذَا خَرَجَتْ بَيْضَاءَ كَمَا دَخَلَتْ لَا تَغَيُّرَ عَلَيْهَا فَهِيَ الْقُصَّةُ الْبَيْضَاءُ بِضَمِّ الْقَافِ. حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ إمَامِنَا أَيْضًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ النَّقَاءُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ طُهْرًا، بَلْ لَوْ صَامَتْ فِيهِ فَرْضًا لَمْ يَصِحَّ، وَلَزِمَهَا قَضَاؤُهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِيهِ صَلَاةٌ، وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا، فَيَكُونُ الدَّمَانِ وَمَا بَيْنَهُمَا حَيْضًا.

وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَسِيلُ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَيْضِ لَمْ يُحْتَسَبْ مِنْ مُدَّتِهِ، وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: ٢٢٢] . وَصَفَ الْحَيْضَ بِكَوْنِهِ أَذًى، فَإِذَا ذَهَبَ الْأَذَى وَجَبَ أَنْ يَزُولَ الْحَيْضُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا مَا رَأَتْ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>