للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاخْتِلَافَ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ عَائِدٌ إلَى الْإِقْرَارِ دُونَ الْقَذْفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ وَاحِدًا وَالْإِقْرَارُ بِهِ فِي مَرَّتَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ بِقَذْفِهَا، وَشَهْدَ آخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، تَمَّتْ الشَّهَادَةُ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَذَفَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَذَفَهَا بِالْعَجَمِيَّةِ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَذَفَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَذَفَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَذَفَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَذَفَهَا بِالْعَجَمِيَّةِ أَوْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، تَكْمُلُ الشَّهَادَةُ.

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ ذِكْرُهُ شَرْطًا فِي الشَّهَادَةِ بِالْقَذْفِ، وَكَذَلِكَ اللِّسَانُ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ الِاخْتِلَافُ، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَذْفِهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَذْفِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْعَجَمِيَّةِ. وَالْآخَرُ لَا تَكْمُلُ الشَّهَادَةُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا قَذْفَانِ لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَلَمْ تَثْبُتْ، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَشَهْدَ الْآخَرُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَفَارَقَ الْإِقْرَارَ بِالْقَذْفِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ وَاحِدًا، أَقَرَّ بِهِ فِي وَقْتَيْنِ بِلِسَانَيْنِ.

[مَسْأَلَة مَتَى تَلَاعَنَا وَفَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا أَبَدًا]

(٦٢٥٨) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (فَمَتَى تَلَاعَنَا وَفَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَجْتَمِعَا أَبَدًا) . فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَسْأَلَتَانِ: (٦٢٥٩) الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِلِعَانِهِمَا جَمِيعًا، وَهَلْ يُعْتَبَرُ تَفْرِيقُ الْحَاكِمِ بَيْنَهُمَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فَلَا تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَقَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِهِ: فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَحْصُلْ قَبْلَهُ. وَفِي حَدِيثِ عُوَيْمِرٍ، قَالَ: كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ أَمْسَكْتهَا. فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَذَا يَقْتَضِي إمْكَانَ إمْسَاكِهَا، وَأَنَّهُ وَقَعَ طَلَاقُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ وَقَعَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، لَمَا وَقَعَ طَلَاقُهُ، وَلَا أَمْكَنَهُ إمْسَاكُهَا.

وَلِأَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْفُرْقَةِ يَقِفُ عَلَى الْحَاكِمِ، فَالْفُرْقَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ لَمْ تَقَعْ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، كَفُرْقَةِ الْعُنَّةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ بِمُجَرَّدِ لِعَانِهِمَا. وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَقَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، عَنْهُ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَدَاوُد، وَزُفَرَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>