للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا ذَكَرْنَا فِيمَا أُبِّرَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ. فَأَمَّا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَتْبَعُهُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: مَا كَانَ مُتَقَارِبَ الْإِدْرَاكِ، فَبُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ يَجُوزُ بِهِ بَيْعُ جَمِيعِهِ، وَإِنْ كَانَ يَتَأَخَّرُ إدْرَاكُ الْبَعْضِ تَأْخِيرًا كَثِيرًا، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِيمَا أَدْرَكَ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْبَاقِي.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجُوزُ بَيْعُ مَا فِي الْبُسْتَانِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ. وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ، فَيَتْبَعُهُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ، كَالنَّوْعِ الْوَاحِدِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّوْعَيْنِ قَدْ يَتَبَاعَدُ إدْرَاكُهُمَا، فَلَمْ يَتْبَعْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ، كَالْجِنْسَيْنِ.

وَيُخَالِفُ الزَّكَاةَ؛ فَإِنَّ الْقَصْدَ هُوَ الْغِنَى مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْمَالِ، لِتَقَارُبِ مَنْفَعَتِهِ، وَقِيَامِ كُلِّ نَوْعٍ مَقَامَ النَّوْعِ الْآخَرِ فِي الْمَقْصُودِ. وَالْمَعْنَى هَاهُنَا؛ هُوَ تَقَارُبُ إدْرَاكِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِالِاشْتِرَاكِ وَاخْتِلَافِ الْأَيْدِي، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي النَّوْعَيْنِ، فَصَارَ فِي هَذَا كَالْجِنْسَيْنِ.

[فَصْلٌ النَّوْعُ الْوَاحِدُ مِنْ بُسْتَانَيْنِ لَا يَتْبَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ حَتَّى يَبْدُوَ الصَّلَاحُ]

(٢٩٠٦) فَصْلٌ: فَأَمَّا النَّوْعُ الْوَاحِدُ مِنْ بُسْتَانَيْنِ، فَلَا يَتْبَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ حَتَّى يَبْدُوَ الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا، مُتَجَاوِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُتَبَاعِدَيْنِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى؛ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي شَجَرَةٍ مِنْ الْقَرَاحِ صَلَاحٌ لَهُ، وَلِمَا قَارَبَهُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَقَارَبَانِ فِي الصَّلَاحِ، فَأَشْبَهَا الْقَرَاحَ الْوَاحِدَ. وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَمْنُ مِنْ الْعَاهَةِ، وَقَدْ وُجِدَ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بِمَنْزِلَةِ مَا بَدَا، وَتَابِعًا لَهُ، دَفْعًا لِضَرَرِ الِاشْتِرَاكِ، وَاخْتِلَافِ الْأَيْدِي، وَإِلَّا فَالْأَصْلُ اعْتِبَارُ كُلِّ شَيْءٍ بِنَفْسِهِ.

وَمَا فِي قَرَاحٍ آخَرَ لَا يُوجَدُ فِيهِ هَذَا الضَّرَرُ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتْبَعَ الْآخَرَ، كَمَا لَوْ تَبَاعَدَا. وَمَا ذَكَرُوهُ يَنْتَقِضُ بِمَا لَمْ يُجَاوِرْهُ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ. وَلَوْ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِ النَّوْعِ الْوَاحِدِ، فَأَفْرَدَ بِالْبَيْعِ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنْ بَقِيَّةِ النَّوْعِ مِنْ ذَلِكَ الْبُسْتَانِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِدُخُولِهِ تَحْتَ عُمُومِ النَّهْيِ. وَيُقَدَّرُ قِيَاسُهُ عَلَى الصُّورَةِ الْمَخْصُوصَةِ مِنْ الْعُمُومِ، وَهِيَ مَا إذَا بَاعَهُ مَعَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ تَبَعًا، دَفْعًا لِمَضَرَّةِ الِاشْتِرَاكِ، وَاخْتِلَافِ الْأَيْدِي. وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ هَاهُنَا، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا مَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ، كَالثَّمَرَةِ تُبَاعُ مَعَ الْأَصْلِ، وَالزَّرْعِ مَعَ الْأَرْضِ، وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ مَعَ الشَّاةِ.

وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ فِي حُكْمِ مَا بَدَا صَلَاحُهُ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ غَيْرِهِ، فَجَازَ بَيْعُهُ مُفْرَدًا، كَاَلَّذِي بَدَا صَلَاحُهُ.

[فَصْلٌ إذَا احْتَاجَتْ الثَّمَرَةُ إلَى سَقْيٍ لَزِمَ الْبَائِعَ ذَلِكَ]

(٢٩٠٧) فَصْلٌ: وَإِذَا احْتَاجَتْ الثَّمَرَةُ إلَى سَقْيٍ لَزِمَ الْبَائِعَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الثَّمَرَةِ كَامِلَةً، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالسَّقْيِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ إذَا بَاعَ الْأَصْلَ، وَعَلَيْهِ ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعٍ، لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ سَقْيُهَا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>