[مَسْأَلَةٌ إذَا زَوَّجَهَا مَنْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ وَهُوَ حَاضِرٌ وَلَمْ يَعْضُلْهَا]
(٥١٨١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ (وَإِذَا زَوَّجَهَا مَنْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ، وَهُوَ حَاضِرٌ، وَلَمْ يَعْضُلْهَا، فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ) . هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامٍ ثَلَاثَةٍ؛ أَحَدُهَا، أَنَّهُ إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ، مَعَ حُضُورِ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ، فَأَجَابَتْهُ إلَى تَزْوِيجِهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ، لَمْ يَصِحَّ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ هَذَا وَلِيٌّ، فَصَحَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِإِذْنِهَا كَالْأَقْرَبِ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا مُسْتَحِقٌّ بِالتَّعْصِيبِ، فَلَمْ يَثْبُتْ لِلْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ، كَالْمِيرَاثِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْقَرِيبُ الْبَعِيدَ.
الْحُكْمُ الثَّانِي، أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَقَعُ فَاسِدًا، لَا يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَلَا يَصِيرُ بِالْإِجَازَةِ صَحِيحًا، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا زُوِّجَ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ زُوِّجَتْ الْمَرْأَةُ الْمُعْتَبَرُ إذْنُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا، أَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، فَالنِّكَاحُ فِي هَذَا كُلِّهِ بَاطِلٌ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ فَسَدَ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي صَغِيرٍ زَوَّجَهُ عَمُّهُ: فَإِنْ رَضِيَ بِهِ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ، جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ، فَسَخَ
وَإِذَا زُوِّجَتْ الْيَتِيمَةُ، فَلَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ. وَقَالَ: إذَا زُوِّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، ثُمَّ عَلِمَ السَّيِّدُ، فَإِنْ شَاءَ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ فَالطَّلَاقُ بِيَدِ السَّيِّدِ، فَإِنْ أَذِنَ فِي التَّزْوِيجِ فَالطَّلَاقُ بِيَدِ الْعَبْدِ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْإِذْنُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ. وَرُوِيَ «أَنَّ فَتَاةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي زَوَّجَنِي مِنْ ابْنِ أَخِيهِ، لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ. قَالَ: فَجَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهَا. فَقَالَتْ: قَدْ أَجَزْت مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنِّي أَرَدْت أَنْ أَعْلَمَ أَنَّ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْئًا.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ: «أَرَدْت أَنْ يَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ» . وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقِفُ عَلَى الْفَسْخِ، فَوَقَفَ عَلَى الْإِجَازَةِ، كَالْوَصِيَّةِ
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ.» وَقَالَ: «إذَا نَكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute