للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا خَبَرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «أَجَازَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَكَانَ لَا يُجِيزُ عَلَى شَهَادَةِ الْإِفْطَارِ إلَّا شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ» . وَلِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى هِلَالٍ لَا يُدْخَلُ بِهَا فِي الْعِبَادَةِ، فَلَمْ تُقْبَلْ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ اثْنَيْنِ كَسَائِرِ الشُّهُودِ، وَهَذَا يُفَارِقُ الْخَبَرَ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُخْبِرِ مَعَ وُجُودِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَفُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ، وَهَذَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ ذَلِكَ، فَافْتَرَقَا. (٢١١٢)

فَصْلٌ: وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ وَإِنْ كَثُرْنَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الشُّهُورِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَلَيْسَ بِمَالِ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، فَأَشْبَهَ الْقِصَاصَ، وَكَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي مِثْلَ ذَلِكَ فِي رَمَضَان، لَكِنْ تَرَكْنَاهُ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ. (٢١١٣)

فَصْلٌ: وَإِذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَلَمْ يَرَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ،؛ أَفْطَرُوا وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ، فَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ؛ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يُفْطِرُونَ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» . وَلِأَنَّهُ فِطْرٌ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِلَالِ شَوَّالٍ. وَالثَّانِي: يُفْطِرُونَ. وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ، وَيُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إذَا وَجَبَ الْفِطْرُ لِاسْتِكْمَالِ الْعِدَّةِ، لَا بِالشَّهَادَةِ، وَقَدْ يَثْبُتُ تَبَعًا مَا لَا يَثْبُتُ أَصْلًا، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَتَثْبُتُ بِهَا الْوِلَادَةُ، فَإِذَا ثَبَتَتْ الْوِلَادَةُ ثَبَتَ النَّسَبُ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ لِلْوِلَادَةِ، كَذَا هَاهُنَا.

وَإِنْ صَامُوا لِأَجْلِ الْغَيْمِ؛ لَمْ يُفْطِرُوا وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ، فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةُ لَا يُفْطِرُ إذَا رَأَى هِلَال شَوَّالٍ وَحْدَهُ]

(٢١١٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يُفْطِرُ إذَا رَآهُ وَحْدَهُ) وَرُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُهُ مِنْ شَوَّالٍ، فَجَازَ لَهُ الْأَكْلُ، كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو رَجَاءٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ رَجُلَيْنِ قَدِمَا الْمَدِينَةَ وَقَدْ رَأَيَا الْهِلَالَ، وَقَدْ أَصْبَحَ النَّاسُ صِيَامًا. فَأَتَيَا عُمَرَ. فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: أَصَائِمٌ أَنْتَ؟ قَالَ: بَلْ مُفْطِرٌ. قَالَ: مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا؟ قَالَ: لَمْ أَكُنْ لِأَصُومَ وَقَدْ رَأَيْت الْهِلَالَ. وَقَالَ لِلْآخَرِ، قَالَ: أَنَا صَائِمٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>