وَلَنَا أَنَّهُ تَغْرِيرٌ بِالْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ عَسَى أَنْ لَوْ عَلِمَ أَنَّ بَعْضَ مَا تَحَصَّلَتْ بِهِ لِأَجْلِ الصِّنَاعَةِ، لَا يَرْغَبُ فِيهِ؛ لِعَدَمِ رَغْبَتِهِ فِي ذَلِكَ، فَأَشْبَهَ مَا يَنْقُصُ الْحَيَوَانَ فِي مُؤْنَتِهِ، وَكِسْوَتِهِ، وَعَلَى الْمُبْتَاعِ فِي خَزْنِهِ. الضَّرْبُ الثَّانِي، أَنْ يَتَغَيَّرَ بِنَقْصٍ، كَنَقْصِهِ بِمَرَضٍ، أَوْ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ، أَوْ تَلَفِ بَعْضِهِ، أَوْ بِوِلَادَةٍ، أَوْ عَيْبٍ، أَوْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي بَعْضَهُ، كَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ الْمَوْجُودِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يُخْبِرُ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.
وَإِنْ أَخَذَ أَرْشَ الْعَيْبِ، أَوْ الْجِنَايَةِ أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ يَحُطُّ أَرْشَ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ، وَيُخْبِرُ بِالْبَاقِي، لِأَنَّ أَرْشَ الْعَيْبِ عِوَضُ مَا فَاتَ بِهِ، فَكَانَ ثَمَنُ الْمَوْجُودِ هُوَ مَا بَقِيَ. وَفِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَحُطُّهُ مِنْ الثَّمَنِ، كَأَرْشِ الْعَيْبِ. وَالثَّانِي، لَا يَحُطُّهُ كَالنَّمَاءِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحُطُّهُمَا مِنْ الثَّمَنِ، وَيَقُولُ: تَقَوَّمَ عَلَيَّ بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْبَرَ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ. وَلَنَا، أَنَّ الْإِخْبَارَ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ أَبْلَغُ فِي الصِّدْقِ، وَأَقْرَبُ إلَى الْبَيَانِ وَنَفْيِ التَّغْرِيرِ بِالْمُشْتَرِي وَالتَّدْلِيسِ عَلَيْهِ، فَلَزِمَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ، وَقَسَّطَ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا. وَقِيَاسُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ عَلَى النَّمَاءِ وَالْكَسْبِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ عِوَضُ نَقْصِهِ الْحَاصِلِ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ ثَمَنِ جُزْءٍ مِنْهُ بَاعَهُ، وَكَقِيمَةِ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ إذَا تَلِفَ أَحَدُهُمَا، وَالنَّمَاءُ وَالْكَسْبُ زِيَادَةٌ لَمْ يَنْقُصْ بِهَا الْمَبِيعُ وَلَا هِيَ عِوَضٌ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَأَمَّا إنْ جَنَى الْمَبِيعُ، فَفَدَاهُ الْمُشْتَرِي، لَمْ يَلْحَقْ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ، وَلَمْ يُخْبِرْ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّ هَذَا الْأَرْشَ لَمْ يَزِدْ بِهِ الْمَبِيعُ قِيمَةً وَلَا ذَاتًا، وَإِنَّمَا هُوَ مُزِيلٌ لِنَقْصِهِ بِالْجِنَايَةِ وَالْعَيْبِ الْحَاصِلِ بِتَعَلُّقِهَا بِرَقَبَتِهِ، فَأَشْبَهَ الدَّوَاءَ الْمُزِيلَ لِمَرَضِهِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي.
فَأَمَّا الْأَدْوِيَةُ، وَالْمُؤْنَةُ، وَالْكِسْوَةُ، وَعَمَلُهُ فِي السِّلْعَةِ بِنَفْسِهِ، أَوْ عَمَلُ غَيْرِهِ لَهُ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يُخْبِرُ بِذَلِكَ فِي الثَّمَنِ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَإِنْ أَخْبَرَ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ، فَحَسَنٌ.
[فَصْلٌ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ صَفْقَة وَاحِدَة ثُمَّ أَرَادَ بَيْع أَحَدهمَا مُرَابَحَة]
فَصْلٌ وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ أَرَادَ بَيْعَ أَحَدِهِمَا مُرَابَحَةً، أَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ شَيْئًا، فَتَقَاسَمَاهُ، وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا بَيْعَ نَصِيبِهِ مُرَابَحَةً، بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّاهُ فِيهِ، فَذَلِكَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا، أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ مِنْ الْمُتَقَوِّمَاتِ الَّتِي لَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهَا بِالْأَجْزَاءِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ، وَأَشْبَاهِ هَذَا، فَهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ مُرَابَحَةً، حَتَّى يُخْبِرَ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. فَقَالَ: كُلُّ بَيْعٍ اشْتَرَاهُ جَمَاعَةٌ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ، لَا يَبِيعُ أَحَدُهُمْ مُرَابَحَةً، إلَّا أَنْ يَقُولَ: اشْتَرَيْنَاهُ جَمَاعَةً، ثُمَّ اقْتَسَمْنَاهُ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمَبِيعِ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِ؛ بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شِقْصًا وَسَيْفًا، أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute