للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ]

(٤٩٧٣) فَصْلٌ: فِي مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ، وَهُوَ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا، الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ الْهَلَاكُ، وَهُوَ مَنْ يُفْقَدُ فِي مَهْلَكَةٍ، كَاَلَّذِي يُفْقَدُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَقَدْ هَلَكَ جَمَاعَةٌ، أَوْ فِي مَرْكَبٍ انْكَسَرَ، فَغَرِقَ بَعْضُ أَهْلِهِ، أَوْ فِي مَفَازَةٍ يَهْلَكُ فِيهَا النَّاسُ، أَوْ يُفْقَدُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ، أَوْ يَخْرُجُ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ أَوْ لِحَاجَةِ قَرِيبَةٍ، فَلَا يَرْجِعُ، وَلَا يُعْلَمُ خَبَرُهُ، فَهَذَا يُنْتَظَرُ بِهِ أَرْبَعُ سِنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ خَبَرٌ، قُسِّمَ مَالُهُ، وَاعْتَدَّتْ امْرَأَتُهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ

وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يُقَسِّمُ مَالُهُ، حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّةُ الْوَفَاةِ بَعْدَ الْأَرْبَعِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يُبَاحُ لِامْرَأَتِهِ التَّزَوُّجُ فِيهِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْوَفَاةِ، فَإِذَا حُكِمَ بِوَفَاتِهِ فَلَا وَجْهَ لِلْوُقُوفِ عَنْ قَسْمِ مَالِهِ. وَإِنْ مَاتَ لِلْمَفْقُودِ مَنْ يَرِثُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِوَفَاتِهِ، وُقِفَ لِلْمَفْقُودِ نَصِيبُهُ مِنْ مِيرَاثِهِ، وَمَا يَشُكُّ فِي مُسْتَحِقِّهِ، وَقُسِمَ بَاقِيهِ؛ فَإِنْ بَانَ حَيًّا، أَخَذَهُ، وَرُدَّ الْفَضْلُ إلَى أَهْلِهِ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ، دُفِعَ نُصِيبُهُ مَعَ مَالِهِ إلَى وَرَثَتِهِ.

وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا حِينَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ، رُدَّ الْمَوْقُوفُ إلَى وَرَثَةِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ، رُدَّ أَيْضًا إلَى وَرَثَةِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي حَيَاتِهِ حِينَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ، فَلَا نُوَرِّثُهُ مَعَ الشَّكِّ، كَالْجَنِينِ الَّذِي يُسْقَطَ مَيِّتًا، وَكَذَلِكَ إنْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَاتَ، وَلَمْ يَدْرِ مَتَى مَاتَ. وَلَمْ يُفَرِّقْ سَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَبَيْنَ سَائِرِ صُورِ الْفِقْدَانِ فِيمَا عَلِمْنَا، إلَّا أَنَّ مَالِكًا، وَالشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فِي الْقَدِيمِ، وَافَقَا فِي الزَّوْجَةِ أَنَّهَا تَتَزَوَّجُ خَاصَّةً

وَالْأَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِهِ مِثْلُ قَوْلِ الْبَاقِينَ، فَأَمَّا مَالُهُ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَسَّمُ حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةٌ لَا يَعِيشُ فِي مِثْلِهَا، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى، إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مَفْقُودٌ لَا يَتَحَقَّقُ مَوْتُهُ، فَأَشْبَهَ التَّاجِرَ وَالسَّائِحَ. وَلَنَا، اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى تَزْوِيجِ امْرَأَتِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَدَدِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ مَعَ الِاحْتِيَاطِ لِلْأَبْضَاعِ، فَفِي الْمَالِ أَوْلَى وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هَلَاكُهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَا يَعِيشُ فِي مِثْلِهَا

النَّوْعُ الثَّانِي، مَنْ لَيْسَ الْغَالِبُ هَلَاكَهُ، كَالْمُسَافِرِ لِتِجَارَةٍ، أَوْ طَلَبِ عِلْمٍ، أَوْ سِيَاحَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يُقَسَّمُ مَالُهُ، وَلَا تَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ، حَتَّى يَتَيَقَّنَ مَوْتُهُ، أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ مُدَّةٌ لَا يَعِيشُ مِثْلَهَا، وَذَلِكَ مَرْدُودٌ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ حَيَاتُهُ، وَالتَّقْدِيرُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَلَا تَوْقِيفَ هَاهُنَا، فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ عَنْهُ

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّهُ يُنْتَظَرُ بِهِ تَمَامُ تِسْعِينَ سَنَةً مَعَ سَنَةِ يَوْمَ فُقِدَ. وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>