للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يُنْتَظَرُ بِهِ إلَى تَمَامِ سَبْعِينَ سَنَةً مَعَ سَنَةِ يَوْمَ فُقِدَ. وَلَعَلَّهُ يَحْتَجُّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ وَالسِّتِّينَ» . أَوْ كَمَا قَالَ؛ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، فَأَشْبَهَ التِّسْعِينَ

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: يُنْتَظَرُ بِهِ تَمَامُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. قَالَ: وَلَوْ فُقِدَ وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَهُ مَالٌ، لَمْ يُقَسَّمْ مَالُهُ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهِ سِتُّونَ سَنَةً أُخْرَى، فَيَكُونُ لَهُ مَعَ سَنَةِ يَوْمَ فُقِدَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، فَيُقَسَّمُ مَالُهُ حِينَئِذٍ بَيْنَ وَرَثَتِهِ إنْ كَانُوا أَحْيَاءً، وَإِنْ مَاتَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ قَبْلَ مُضِيِّ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَخَلَّفَ وَرَثَةً لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْمَفْقُودِ، وَكَانَ مَالُهُ لِلْأَحْيَاءِ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَيُوقَفُ لِلْمَفْقُودِ حِصَّتُهُ مِنْ مَالِ مَوْرُوثِهِ الَّذِي مَاتَ فِي مُدَّةِ الِانْتِظَارِ، فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُ الْمَفْقُودِ رُدَّ الْمَوْقُوفُ إلَى وَرَثَةِ مَوْرُوثِ الْمَفْقُودِ، وَلَمْ يَكُنْ لِوَرَثَةِ الْمَفْقُودِ

قَالَ اللُّؤْلُؤِيُّ: وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَحَكَى الْخَبْرِيُّ عَنْ اللُّؤْلُؤِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْمَوْقُوفَ لِلْمَفْقُودِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنِ اللَّبَّانِ عَنْ اللُّؤْلُؤِيِّ، فَقَالَ: لَوْ مَاتَتْ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ قَبْلَ تَمَامَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً بِيَوْمِ، أَوْ بَعْدَ فَقْدِهِ بِيَوْمِ، وَتَمَّتْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، لَمْ تُوَرَّثْ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَمْ نُوَرِّثْهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ أَيَّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا

وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي الْغَرْقَى: إنَّهُ لَا يُوَرَّثُ أَحَدُهُمْ مِنْ صَاحِبِهِ، وَيَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ الْأَحْيَاءَ مِنْ وَرَثَتِهِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ. وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ الْمَفْقُودَ إلَّا الْأَحْيَاءُ مِنْ وَرَثَتِهِ يَوْمَ قَسْمِ مَالِهِ، لَا مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَوْ بِيَوْمٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَنْ مَاتَ وَفِي وَرَثَتِهِ مَفْقُودٌ فَمَذْهَبُ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، عَلَى أَنَّهُ يُعْطَى كُلُّ وَارِثٍ مِنْ وَرَثَتِهِ الْيَقِينَ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ، أَوْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الِانْتِظَارِ

، فَتَعْمَلُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ، ثُمَّ عَلَى أَنَّهُ مَيِّتٌ، وَتَضْرِبُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى إنْ تَبَايَنَتَا، أَوْ فِي وَقْفِهِمَا إنْ اتَّفَقَتَا، وَتَجْتَزِئُ إحْدَاهُمَا إنْ تَمَاثَلَتَا، أَوْ بِأَكْثَرِهِمَا إنْ تَنَاسَبَتَا، وَتُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ، وَمَنْ لَا يَرِثُ إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا لَا تُعْطِيهِ شَيْئًا، وَتَقِفُ الْبَاقِيَ. وَلَهُمْ أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَى مَا زَادَ عَلَى نَصِيبِ الْمَفْقُودِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ اللَّبَّانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْوَنِّيُّ، وَقَالَ: لَا فَائِدَةَ فِي أَنْ يَنْقُصَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيَاةِ، وَهِيَ مُتَيَقَّنَةٌ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: لَك أَنْ تُصَالِحَ عَلَى بَعْضِهِ

بَلْ إنْ جَازَ ذَلِكَ، فَالْأَوْلَى أَنْ نُقَسِّمَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى تَقْدِيرِ الْحَيَاةِ، وَنَقِفُ نَصِيبَ الْمَفْقُودِ لَا غَيْرُ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ الزَّائِدَ عَنْ نَصِيبِ الْمَفْقُودِ مِنْ الْمَوْقُوفِ مَشْكُوكٌ فِي مُسْتَحِقِّهِ، وَيَقِينُ الْحَيَاةِ مُعَارِضٌ بِظُهُورِ الْمَوْتِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُوَرَّثَ كَالزَّائِدِ عَنْ الْيَقِينِ فِي مَسَائِلِ الْحَمْلِ وَالِاسْتِهْلَالِ، وَيَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ الْمَوْجُودِينَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ، لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ، وَإِبَاحَةُ الصُّلْحِ عَلَيْهِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ وَقْفِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِرِهِ، وَوُجُوبُ وَقْفِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>