وَشَرْطٌ لِطَلَاقِهَا، فَإِنْ أَعَادَهُ ثَالِثَةً، طَلُقَتْ ثَانِيَةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَدْخُولِ بِهَا فَتَبِينُ بِالْأُولَى، وَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ ثَانٍ، وَإِنْ أَعَادَهُ رَابِعَةً، طَلُقَتْ الثَّالِثَةَ. وَإِنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَاعْلَمِي ذَلِكَ، أَوْ فَتُحَقَّقِي ذَلِكَ. حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَّمَهَا بَعْدَ عَقْدِ الْيَمِينِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كَلَامًا مُبْتَدَأً، وَإِنْ زَجَرَهَا، فَقَالَ: تَنَحِّي، أَوْ اُسْكُتِي أَوْ اذْهَبِي. حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ. وَإِنْ سَمِعَهَا تَذْكُرُهُ، فَقَالَ: الْكَاذِبُ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ. حَنِثَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهَا. وَإِنْ كَلَّمَهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ، أَوْ مَغْلُوبَةٌ عَلَى عَقْلِهَا بِإِغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ، لَا تَسْمَعُ، أَوْ بَعِيدَةٌ لَا تَسْمَعُ كَلَامَهُ، أَوْ صَمَّاءُ بِحَيْثُ لَا تَفْهَمُ كَلَامَهُ وَلَا تَسْمَعُ، أَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا، فَكَلَّمَهُ مَيِّتًا، لَمْ يَحْنَثْ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَحْنَثُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَيْفَ تُكَلِّمُ أَجْسَادًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا؟ . وَلَنَا، أَنَّ التَّكَلُّمَ فِعْلٌ يَتَعَدَّى إلَى الْمُتَكَلَّمِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْكَلِمِ، وَهُوَ الْجَرْحُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِيهِ كَتَأْثِيرِ الْجَرْحِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِإِسْمَاعِهِ، فَأَمَّا تَكْلِيمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَوْتَى، فَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» وَلَمْ يَثْبُتْ هَذَا لِغَيْرِهِ، وَقَوْلُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَيْف تُكَلِّمُ أَجْسَادًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا؟ حُجَّةٌ لَنَا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ اسْتِبْعَادًا، أَوْ سُؤَالًا عَمَّا خَفِيَ عَنْهُمْ سَبَبُهُ وَحِكْمَتُهُ، حَتَّى كَشَفَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِكْمَةَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ مُخْتَصٍّ بِهِ، فَيَبْقَى الْأَمْرُ فِي حَقِّ مَنْ سِوَاهُ عَلَى النَّفْيِ.
وَإِنْ حَلَفَ: لَا كَلَّمْت فُلَانًا. فَكَلَّمَتْهُ سَكْرَانَ، حَنِثَ؛ لِأَنَّ السَّكْرَانَ يُكَلَّمُ وَيَحْنَثُ، وَرُبَّمَا كَانَ تَكْلِيمُهُ فِي حَالِ سُكْرِهِ أَضَرَّ مِنْ تَكْلِيمِهِ فِي صَحْوِهِ، وَإِنْ كَلَّمَتْهُ سَكْرَانَةَ، حَنِثَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الصَّاحِي، وَإِنْ كَلَّمَتْهُ، وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ يَسْمَعُ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ مُكَلَّمُ حَنِثَ. وَإِنْ جُنَّتْ هِيَ، ثُمَّ كَلَّمَتْهُ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهَا، وَلَمْ يَبْقَ لِكَلَامِهَا حُكْمٌ.
[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إنْسَانًا فَكَلَّمَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ فَلَمْ يَسْمَعْ]
(٥٩٦٩) فَصْلٌ: فَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إنْسَانًا، فَكَلَّمَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ، فَلَمْ يَسْمَعْ لِتَشَاغُلِهِ أَوْ غَفْلَتِهِ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْمَعْ لِغَفْلَتِهِ، أَوْ شُغْلِ قَلْبِهِ. وَإِنْ كَلَّمَهُ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ؛ فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِالطَّلَاقِ، حَنِثَ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ، أَنْ لَا يُكَلِّمَ حَمَاتَهُ، فَرَآهَا بِاللَّيْلِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ : حَنِثَ، قَدْ كَلَّمَهَا. وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، أَوْ يَمِينًا مُكَفِّرَة، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ تَكْلِيمَهُ، فَأَشْبَهَ النَّاسِيَ، وَلِأَنَّهُ ظَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute