[فَصْلٌ مَتَى تَحْتَسِب الْعِدَّة]
(٦٣١٢) فَصْلٌ: وَتُحْسَبُ الْعِدَّةُ مِنْ السَّاعَةِ الَّتِي فَارَقَهَا زَوْجُهَا فِيهَا، فَلَوْ فَارَقَهَا نِصْفَ اللَّيْلِ، أَوْ نِصْفَ النَّهَارِ، اعْتَدَّتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ. فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: لَا تَحْتَسِبُ بِالسَّاعَاتِ، وَإِنَّمَا تَحْتَسِبُ بِأَوَّلِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَإِذَا طَلَّقَهَا نَهَارًا، احْتَسَبَتْ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ الَّذِي يَلِيهِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا لَيْلًا، احْتَسَبَتْ بِأَوَّلِ النَّهَارِ الَّذِي يَلِيهِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ حِسَابَ السَّاعَاتِ يَشُقُّ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ.
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: ٤] فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَحِسَابُ السَّاعَاتِ مُمْكِنٌ، إمَّا يَقِينًا، وَإِمَّا اسْتِظْهَارًا، فَلَا وَجْهَ لِلزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
[مَسْأَلَة عِدَّةِ الْأَمَة]
(٦٣١٣) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَالْأَمَةُ شَهْرَانِ اخْتَلَفْت الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي عِدَّةِ الْأَمَةِ، فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، أَنَّهَا شَهْرَانِ. رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَاحْتَجَّ فِيهِ بِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ حَيْضَتَانِ، وَلَوْ لَمْ تَحِضْ كَانَ عِدَّتُهَا شَهْرَيْنِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْهُ بِإِسْنَادِهِ. وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ بَدَلٌ مِنْ الْقُرُوءِ، وَعِدَّةُ ذَاتِ الْقُرُوءِ قُرْءَانِ، فَبَدَلُهُمَا شَهْرَانِ، وَلِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ بِالشُّهُورِ عَنْ غَيْرِ الْوَفَاةِ، فَكَانَ عَدَدُهَا كَعَدَدِ الْقُرُوءِ، لَوْ كَانَتْ ذَاتَ قُرُوءٍ، كَالْحُرَّةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّ عِدَّتَهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ. نَقَلَهَا الْمَيْمُونِيُّ، وَالْأَثْرَمُ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَسَالِمٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، فَنِصْفُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ، وَإِنَّمَا كَمَّلْنَا لِذَاتِ الْحَيْضِ حَيْضَتَيْنِ، لِتَعَذُّرِ تَبْعِيضِ الْحَيْضَةِ، فَإِذَا صِرْنَا إلَى الشُّهُورِ، أَمْكَنَ التَّنْصِيفُ، فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، كَمَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَيَصِيرُ هَذَا كَالْمُحْرِمِ، إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ نِصْفُ مُدٍّ، أَجْزَأَهُ إخْرَاجُهُ، فَإِنْ أَرَادَ الصِّيَامَ مَكَانَهُ، صَامَ يَوْمًا كَامِلًا. وَلِأَنَّهَا عِدَّةٌ أَمْكَنَ تَنْصِيفُهَا، فَكَانَتْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَلِأَنَّهَا مُعْتَدَّةً بِالشُّهُورِ فَكَانَتْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا.
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ، أَنَّ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالنَّخَعِيِّ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ لِلشَّافِعِيِّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: ٤] . وَلِأَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ لِلْأَمَةِ الْآيِسَةِ بِالشُّهُورِ، فَكَانَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، كَاسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ إذَا مَلَكَهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute