وَأَنَا لَهُ شَهِيدٌ.» وَعَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ بَارَزَ مَرْحَبًا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَذَهَبَ يُسْفِلُ لَهُ، فَرَجَعَ سَيْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ.
فَلَمْ يُفْرَدْ عَنْ الشُّهَدَاءِ بِحُكْمٍ. وَلِأَنَّهُ شَهِيدُ الْمَعْرَكَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ، وَبِهَذَا فَارَقَ، مَا لَوْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمُعْتَرَكِ، فَأَمَّا إنْ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ، أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ، فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَتَأَوَّلَ الْحَدِيثَ: «ادْفِنُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ» . فَإِذَا كَانَ بِهِ كَلْمٌ لَمْ يُغَسَّلْ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الَّذِي يُوجَدُ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُغَسَّلُ بِحَالٍ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقِتَالِ. وَلَنَا، أَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْغُسْلِ، فَلَا يَسْقُطُ بِالِاحْتِمَالِ، وَلِأَنَّ سُقُوطَ الْغُسْلِ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ مَقْرُونٌ بِمَنْ كُلِمَ، فَلَا يَجُوزُ حَذْفُ ذَلِكَ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ.
[فَصْلٌ حُكْم غَسَلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي الْمَعْرَكَةِ]
(١٦٣٤) فَصْلٌ: وَمَنْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي الْمَعْرَكَةِ، فَحُكْمُهُ فِي الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، حُكْمُ مَنْ قُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُغَسِّلْ مَنْ قُتِلَ مَعَهُ،
وَعَمَّارٌ أَوْصَى أَنْ لَا يُغَسَّلَ، وَقَالَ: ادْفِنُونِي فِي ثِيَابِي، فَإِنِّي مُخَاصِمٌ.
قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ أَوْصَى أَصْحَابُ الْجَمَلِ: إنَّا مُسْتَشْهِدُونَ غَدًا، فَلَا تَنْزِعُوا عَنَّا ثَوْبًا، وَلَا تَغْسِلُوا عَنَّا دَمًا. وَلِأَنَّهُ شَهِيدُ الْمَعْرَكَةِ، أَشْبَهَ قَتِيلَ الْكُفَّارِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يُغَسَّلُونَ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ غَسَّلَتْ ابْنَهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ أُخِذَ وَصُلِبَ، فَهُوَ كَالْمَقْتُولِ ظُلْمًا، وَلَيْسَ بِشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ.
وَأَمَّا الْبَاغِي، فَقَالَ الْخِرَقِيِّ: مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، غُسِّلَ، وَكُفِّنَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِأَهْلِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا غُسْلُ أَهْلِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلِأَنَّهُمْ يَكْثُرُونَ فِي الْمُعْتَرَكِ، فَيَشُقُّ غُسْلُهُمْ، فَأَشْبَهُوا أَهْلَ الْعَدْلِ. فَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّنَا شَبَّهْنَاهُمْ بِشُهَدَاءِ مَعْرَكَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْغُسْلِ، فَكَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى عَلَيْهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute