عِنْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا بَعْدَهُ، كَالرَّقِيقِ إذَا عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ. وَالثَّالِث: أَنَّهُ لَوْ صَارَ الْأَمْرُ إلَى الْمَالِ، لَاسْتَحَقَّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِلْقِصَاصِ لَمَا اسْتَحَقَّ بَدَلَهُ، كَالْأَجْنَبِيِّ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الصَّغِيرُ لَاسْتَحَقَّهُ وَرَثَتُهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَمْ يَرِثْهُ، كَسَائِرِ مَا لَمْ يَسْتَحِقَّهُ، فَأَمَّا ابْنُ مُلْجِمٍ، فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ قَتَلَهُ بِكُفْرِهِ، لِأَنَّهُ قَتَلَ عَلِيًّا مُسْتَحِلًّا لِدَمِهِ، مُعْتَقِدًا كُفْرَهُ، مُتَقَرِّبًا بِذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: قَتَلَهُ لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، وَإِظْهَارِ السِّلَاحِ، فَيَكُونُ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ إذَا قَتَلَ. وَقَتْلُهُ مُتَحَتِّمٌ، وَهُوَ إلَى الْإِمَامِ، وَالْحَسَنُ هُوَ الْإِمَامُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْتَظِرْ الْغَائِبِينَ مِنْ الْوَرَثَةِ. وَلَا خِلَافَ بَيْننَا فِي وُجُوبِ انْتِظَارِهِمْ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ قِصَاصًا، فَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى خِلَافِهِ، فَكَيْفَ يَحْتَجُّ بِهِ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ.
[فَصْلٌ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا صَغِيرًا]
(٦٧٤٧) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا صَغِيرًا، كَصَبِيٍّ قُتِلَتْ أُمُّهُ، وَلَيْسَتْ زَوْجَةً لِأَبِيهِ، فَالْقِصَاصُ لَهُ، وَلَيْسَ لِأَبِيهِ وَلَا غَيْرِهِ اسْتِيفَاؤُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ، فِي الطَّرَفِ دُونَ النَّفْسِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي مَوْضِعٍ فِي الْأَبِ رِوَايَتَيْنِ، وَفِي مَوْضِعٍ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: كَقَوْلِنَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ أَحَدُ بَدَلَيْ النَّفْسِ، فَكَانَ لِلْأَبِ اسْتِيفَاؤُهُ، كَالدِّيَةِ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِزَوْجَتِهِ، فَلَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ لَهُ، كَالْوَصِيِّ؛ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ التَّشَفِّي وَدَرْكُ الْغَيْظِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِاسْتِيفَاءِ الْوَلِيِّ.
وَيُخَالِفُ الدِّيَةَ، فَإِنَّ الْغَرَضَ يَحْصُلُ بِاسْتِيفَاءِ الْأَبِ لَهُ، فَافْتَرَقَا؛ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهَا إذَا تَعَيَّنَتْ، وَالْقِصَاصُ لَا يَتَعَيَّنُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ، وَالصُّلْحُ عَلَى مَالٍ أَكْثَرُ مِنْهَا وَأَقَلُّ، وَالدِّيَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ.
[فَصْلٌ يَحْبِس الْقَاتِل عِنْدَ تَأْخِيرُ الِاسْتِيفَاءِ]
فَصْلٌ: وَكُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَ تَأْخِيرُ الِاسْتِيفَاءِ، فَإِنْ الْقَاتِلَ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ، وَيَعْقِلَ الْمَجْنُونُ، وَيَقْدَمَ الْغَائِبُ، وَقَدْ حَبَسَ مُعَاوِيَةُ هُدْبَةَ بْنِ خَشْرَمٍ فِي قِصَاصٍ حَتَّى بَلَغَ ابْنُ الْقَتِيلِ، فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ، وَبَذَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ لِابْنِ الْقَتِيلِ سَبْعَ دِيَاتٍ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا يُخْلَى سَبِيلُهُ كَالْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ فِي تَخَلَّيْتِهِ تَضْيِيعًا لِلْحَقِّ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ هَرَبُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْسِرِ مِنْ وُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا: أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ لَا يَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ، فَلَا يُحْبَسُ بِمَا لَا يَجِبُ، وَالْقِصَاصُ هَاهُنَا وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ الْمُسْتَوْفِي.
الثَّانِي، أَنَّ الْمُعْسِرَ إذَا حَبَسْنَاهُ تَعَذَّرَ الْكَسْبُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَلَا يُفِيدُ، بَلْ يَضُرُّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَهَا هُنَا الْحَقُّ نَفْسُهُ يَفُوتُ بِالتَّخْلِيَةِ لَا بِالْحَبْسِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ اُسْتُحِقَّ قَتْلُهُ، وَفِيهِ تَفْوِيتُ نَفْسِهِ وَنَفْعِهِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ تَفْوِيتُ نَفْسِهِ، جَازَ تَفْوِيتُ نَفْعِهِ لِإِمْكَانِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute