الْحَاضِرِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ مُوجِبًا لِلْمَالِ، كَالْخَطَإِ وَعَمْدِ الْخَطَإِ، فَلِلْحَاضِرِ الْمُكَلَّفِ أَنْ يَحْلِفَ، وَيَسْتَحِقَّ قِسْطَهُ مِنْ الدِّيَةِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ حَامِدٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَمْ يُقْسِمُ الْحَاضِرُ؟ فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُقْسِمُ بِقِسْطِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى اثْنَيْنِ أَقْسَمَ الْحَاضِرُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً أَقْسَمَ سَبْعَ عَشْرَةَ يَمِينًا، وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً أَقْسَمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ يَمِينًا، وَكُلَّمَا قَدِمَ غَائِبٌ أَقْسَمَ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ، وَاسْتَوْفَى حَقَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَمِيعُ حَاضِرِينَ، لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ قِسْطِهِ، فَكَذَلِكَ إذَا غَابَ بَعْضُهُمْ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ قِسْطِهِ مِنْ الدِّيَةِ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِسْطِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَحْلِفُ الْأَوَّلُ خَمْسِينَ يَمِينًا. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ الْكَامِلَةِ، وَالْبَيِّنَةُ هِيَ الْأَيْمَانُ كُلُّهَا، وَلِذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا دَيْنًا لِأَبِيهِمَا، لَمْ يَسْتَحِقَّ نَصِيبَهُ مِنْهُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ الْمُثْبِتَةِ لِجَمِيعِهِ؛ وَلِأَنَّ الْخَمْسِينَ فِي الْقَسَامَةِ كَالْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ. وَلَوْ ادَّعَى مَالًا لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ، لَهُ بِهِ شَاهِدٌ، لَحَلَفَ يَمِينًا كَامِلَةً، كَذَلِكَ هَذَا. فَإِذَا قَدِمَ الثَّانِي: أَقْسَمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا، وَجْهًا وَاحِدًا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى أَيْمَانِ أَخِيهِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ، أَنَّهُ يُقْسِمُ خَمْسِينَ يَمِينًا أَيْضًا، لِأَنَّ أَخَاهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ بِخَمْسِينَ، فَكَذَلِكَ هُوَ. فَإِذَا قَدِمَ ثَالِثٌ، أَوْ بَلَغَ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، يُقْسِمُ سَبْعَ عَشْرَةَ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى أَيْمَانِ أَخَوَيْهِ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، فِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا؛ أَنَّهُ يُقْسِمُ سَبْعَ عَشْرَةَ يَمِينًا. وَالثَّانِي: خَمْسِينَ يَمِينًا وَإِنْ قَدِمَ رَابِعٌ، كَانَ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْل الْخُنْثَى الْمُشْكِل يَحْتَمِل أَنْ يَقْسِم]
(٧٠٢٩) فَصْلٌ: وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقْسِمَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْقَسَامَةِ وُجِدَ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا لِلدَّمِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَانِعُ مِنْ يَمِينِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا قَسَامَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ مِنْ الْعَقْلِ، وَلَا يَثْبُتُ الْقَتْلُ بِشَهَادَتِهِ، أَشْبَهَ الْمَرْأَةَ.
[مَسْأَلَةٌ خَلَف الْمَقْتُولُ ثَلَاثَةَ بَنِينَ]
(٧٠٣٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا خَلَّفَ الْمَقْتُولُ ثَلَاثَةَ بَنِينَ، جُبِرَ الْكَسْرُ عَلَيْهِمْ، فَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَبْعَ عَشْرَةَ يَمِينًا. اخْتَلَفْت الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ؛ فَرُوِيَ أَنَّهُ يَحْلِفُ مِنْ الْعَصَبَةِ الْوَارِثُ مِنْهُمْ وَغَيْرُ الْوَارِثِ، خَمْسُونَ رَجُلًا، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute