للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا خُلُقٍ، إلَّا أَنِّي أَخَافُ الْكُفْرَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَرَدَّتْهَا عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا» .

وَفِي رِوَايَةٍ، فَقَالَ لَهُ: «اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» وَبِهَذَا قَالَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ بِالْحِجَازِ وَالشَّامِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُ، إلَّا بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُجِزْهُ، وَزَعَمَ أَنَّ آيَةَ الْخُلْعِ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: ٢٠] . الْآيَةَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْخُلْعُ حَتَّى يَجِدَ عَلَى بَطْنِهَا رَجُلًا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: ١٩] .

وَلَنَا الْآيَةُ الَّتِي تَلَوْنَاهَا، وَالْخَبَرُ، وَأَنَّهُ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، لَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ مُخَالِفًا، فَيَكُونُ إجْمَاعًا، وَدَعْوَى النَّسْخِ لَا تُسْمَعُ حَتَّى يَثْبُت تَعَذُّرُ الْجَمْعِ، وَأَنَّ الْآيَةَ النَّاسِخَةَ مُتَأَخِّرَةٌ، وَلَمْ يَثْبُت شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا يُسَمَّى خُلْعًا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَنْخَلِعُ مِنْ لِبَاسِ زَوْجِهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: ١٨٧] وَيُسَمَّى افْتِدَاءً؛ لِأَنَّهَا تَفْتَدِي نَفْسَهَا بِمَالٍ تَبْذُلُهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩]

[فَصْلٌ لَا يُفْتَقَرُ الْخُلْع إلَى حَاكِمٍ]

(٥٧٤٧) فَصْلٌ: وَلَا يُفْتَقَرُ الْخُلْعُ إلَى حَاكِمٍ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَقَالَ: يَجُوزُ الْخُلْعُ دُونَ السُّلْطَانِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَهْلُ الرَّأْيِ. وَعَنْ الْحَسَنِ، وَابْن سِيرِينَ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ. وَلَنَا، قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى السُّلْطَانِ، كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وَلِأَنَّهُ قَطْعُ عَقْدٍ بِالتَّرَاضِي، أَشْبَهَ الْإِقَالَةَ.

[فَصْلٌ بِالْخُلْعِ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ]

(٥٧٤٨) فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ بِالْخُلْعِ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ مِنْ أَجْلِ الضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُهَا بِطُولِ الْعِدَّةِ، وَالْخُلْعُ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُهَا بِسُوءِ الْعِشْرَةِ وَالْمُقَامِ مَعَ مَنْ تَكْرَهُهُ وَتُبْغِضُهُ، وَذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ طُولِ الْعِدَّةِ، فَجَازَ دَفْعُ أَعْلَاهُمَا بِأَدْنَاهُمَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْأَلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>