الْأُمِّ، وَأَبَوَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ عَلَتْ دَرَجَتُهُمْ، مَنْ يَرِثُ مِنْهُمْ وَمَنْ لَا يَرِثُ. وَقَوْلُهُ: " وَالْوَلَدُ وَإِنْ سَفَلَ " يَعْنِي وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُ مِنْ أَوْلَادِهِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، الْوَارِثِ وَغَيْرِ الْوَارِثِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فَقَالَ: لَا يُعْطِي الْوَالِدَيْنِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَلَا الْوَلَدَ وَلَا وَلَدَ الْوَلَدِ، وَلَا الْجَدَّ وَلَا الْجَدَّةَ وَلَا وَلَدَ الْبِنْتِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» يَعْنِي الْحَسَنَ، فَجَعَلَهُ ابْنَهُ وَلِأَنَّهُ مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ، فَأَشْبَهَ الْوَارِثَ، وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا قَرَابَةً جُزْئِيَّةً وَبَعْضِيَّةً، بِخِلَافِ غَيْرِهَا.
[فَصْلُ دَفَعَ الزَّكَاة لِمَنْ لَا يَرِث مِنْ الْأَقَارِبِ]
(١٧٦٨) فَصْلٌ: فَأَمَّا سَائِرُ الْأَقَارِبِ، فَمَنْ لَا يُوَرَّثُ مِنْهُمْ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ انْتِفَاءُ الْإِرْثِ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ، لِكَوْنِهِ بَعِيدَ الْقَرَابَةِ مِمَّنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ مِيرَاثًا، أَوْ كَانَ لِمَانِعٍ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَحْجُوبًا عَنْ الْمِيرَاثِ، كَالْأَخِ الْمَحْجُوبِ بِالِابْنِ أَوْ الْأَبِ، وَالْعَمِّ الْمَحْجُوبِ بِالْأَخِ وَابْنِهِ وَإِنْ نَزَلَ، فَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ؛ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ جُزْئِيَّةً بَيْنِهِمَا وَلَا مِيرَاثَ، فَأَشْبَهَا الْأَجَانِبَ.
وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ كَالْأَخَوَيْنِ اللَّذَيْنِ يَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى الْآخَرِ، وَهِيَ الظَّاهِرَةُ عَنْهُ، رَوَاهَا عَنْهُ الْجَمَاعَةُ، قَالَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، وَقَدْ سَأَلَهُ: يُعْطِي الْأَخَ وَالْأُخْتَ وَالْخَالَةَ مِنْ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: يُعْطِي كُلَّ الْقَرَابَةِ إلَّا الْأَبَوَيْنِ وَالْوَلَدَ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ الْقَوْلُ عِنْدِي؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ لِذِي الرَّحِمِ اثْنَانِ؛ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» فَلَمْ يَشْتَرِطْ نَافِلَةً وَلَا فَرِيضَةً، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْوَارِثِ وَغَيْرِهِ.
وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ، فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الْمَوْرُوثِ. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ لِقَوْلِهِ: وَلَا لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ " وَعَلَى الْوَارِثِ مُؤْنَةُ الْمَوْرُوثِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، فَيُغْنِيه بِزَكَاتِهِ عَنْ مُؤْنَتِهِ، وَيَعُودُ نَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَدَفْعِهَا إلَى وَالِدِهِ، أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ بِهَا.
وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا. فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَرِثُ الْآخَرَ، وَلَا يَرِثُهُ الْآخَرُ، كَالْعَمَّةِ مَعَ ابْنِ أَخِيهَا، وَالْعَتِيقِ مَعَ مُعْتِقِهِ، فَعَلَى الْوَارِثِ مِنْهُمَا نَفَقَةُ مُوَرِّثِهِ، وَلَيْسَ لَهُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْمَوْرُوثِ مِنْهُمَا نَفَقَةُ وَارِثِهِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ دَفْعِ زَكَاتِهِ إلَيْهِ، لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ. وَلَوْ كَانَ الْأَخَوَانِ لَأَحَدِهِمَا ابْنٌ، وَالْآخَرِ لَا وَلَدَ لَهُ، فَعَلَى أَبِي الِابْنِ نَفَقَةُ أَخِيهِ، وَلَيْسَ لَهُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِ، وَلِلَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ، لَهُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى أَخِيهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ عَنْ مِيرَاثِهِ. وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ فَأَمَّا ذَوُو الْأَرْحَامِ فِي الْحَالِ الَّتِي يَرِثُونَ فِيهَا، فَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمْ ضَعِيفَةٌ، لَا يَرِثُ بِهَا مَعَ عَصَبَةٍ، وَلَا ذِي فَرْضٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute