للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجِمَاعَ مِنْ الْمَرْأَةِ هَلْ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ، أَنَّهُمَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ. وَإِنْ سَاحَقَ الْمَجْبُوبُ فَأَنْزَلَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ.

[فَصْلُ جَامَعَتْ الْمَرْأَةُ نَاسِيَةً لِلصَّوْمِ]

(٢٠٥٧) فَصْلٌ: وَإِنْ جَامَعَتْ الْمَرْأَةُ نَاسِيَةً لِلصَّوْمِ. فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: حُكْمُ النِّسْيَانِ حُكْمُ الْإِكْرَاهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا فِيهِمَا، وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ يَحْصُلُ بِهِ الْفِطْرُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ مَعَ النِّسْيَانِ، فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهَا الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ مُفْسِدٌ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، فَأَشْبَهَ الْأَكْلَ.

[فَصْلُ أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى الْجِمَاعِ وَهُوَ صَائِم]

(٢٠٥٨) فَصْلٌ: وَإِنْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى الْجِمَاعِ، فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُفْسِدَ صَوْمُ الْمَرْأَةِ فَصَوْمُ الرَّجُلِ أَوْلَى. وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ، فَقَالَ الْقَاضِي: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْوَطْءِ لَا يُمْكِنُ، لِأَنَّهُ لَا يَطَأُ حَتَّى يَنْتَشِرَ، وَلَا يَنْتَشِرُ إلَّا عَنْ شَهْوَةٍ، فَكَانَ كَغَيْرِ الْمُكْرَهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِيهِ. رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ عُقُوبَةً، أَوْ مَاحِيَةً لِلذَّنْبِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ الْإِكْرَاهِ، لِعَدَمِ الْإِثْمِ فِيهِ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى مَا وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهِ، لَاخْتِلَافِهِمَا فِي وُجُودِ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ.

فَأَمَّا إنْ كَانَ نَائِمًا، مِثْلُ أَنْ كَانَ عُضْوُهُ مُنْتَشِرًا فِي حَالِ نَوْمِهِ، فَاسْتَدْخَلَتْهُ امْرَأَتُهُ. فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ إلْجَاءً، مِثْلُ أَنْ غَلَبَتْهُ فِي حَالِ يَقَظَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى حَرَّمَهُ الصَّوْمُ حَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، فَلَمْ يُفْطِرْ بِهِ، كَمَا لَوْ أَطَارَتْ الرِّيحُ إلَى حَلْقِهِ ذُبَابَةً. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ إذَا غَصَبَهَا رَجُلٌ نَفْسَهَا فَجَامَعَهَا: عَلَيْهَا الْقَضَاءُ. فَالرَّجُلُ أَوْلَى.

وَلِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ يُفْسِدُهَا الْجِمَاعُ، فَاسْتَوَى فِي ذَلِكَ حَالَةُ الِاخْتِيَارِ وَالْإِكْرَاهِ، كَالْحَجِّ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْجِمَاعِ عَلَى غَيْرِهِ فِي عَدَمِ الْإِفْسَادِ لِتَأَكُّدِهِ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ، وَإِفْسَادِهِ لِلْحَجِّ مِنْ بَيْنَ سَائِرِ مَحْظُورَاتِهِ، وَإِيجَابِ الْحَدَّ بِهِ إذَا كَانَ زِنًا.

[فَصْلُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْفِطْرِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ]

(٢٠٥٩) فَصْلٌ: وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْفِطْرِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، فِي قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ قَتَادَةُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>