للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَمُحَمَّدٌ مَعَ خَالِدٍ]

فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا، وَمُحَمَّدٌ مَعَ خَالِدٍ. لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تُكَلِّمَ زَيْدًا فِي حَالٍ يَكُونُ فِيهِ مُحَمَّدٌ مَعَ خَالِدٍ. وَذَكَر الْقَاضِي أَنَّهُ يَحْنَثُ بِكَلَامِ زَيْدٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مُحَمَّدٌ مَعَ خَالِدٍ اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ. وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ جَعْلُ الْكَلَامِ مُتَّصِلًا كَانَ أَوْلَى مِنْ قَطْعِهِ، وَالرَّفْعُ لَا يَنْفِي كَوْنَهُ حَالًا، فَإِنَّ الْجُمْلَةَ مِنْ الْمُبْتَدَإِ وَالْخَبَرِ تَكُونُ حَالًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: ١] . وَقَالَ: {إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: ٢] . {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} [يوسف: ١٣] . وَهَذَا كَثِيرٌ، فَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ عَنْ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ فِي سِيَاقِهِ مَعَ إمْكَانِ وَصْلِهِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَمُحَمَّدٌ مَعَ خَالِدٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ. لَمْ تَطْلُق حَتَّى تُكَلِّمَ زَيْدًا فِي حَالِ كَوْنِ مُحَمَّدٍ مَعَ خَالِدٍ، فَكَذَلِكَ إذَا تَأَخَّرَ قَوْلُهُ: مُحَمَّدٌ مَعَ خَالِدٍ.

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَأَنَا غَائِبٌ، لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تُكَلِّمَهُ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ. أَوْ وَهُوَ رَاكِبٌ. أَوْ: وَمُحَمَّدٌ رَاكِبٌ. لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تُكَلِّمَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَمُحَمَّدٌ أَخُوهُ مَرِيضٌ. لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تُكَلِّمَهُ وَأَخُوهُ مُحَمَّدٌ مَرِيضٌ.

[فَصْلٌ قَالَ إنْ كَلَّمْتنِي إلَى أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ]

(٥٩٧٤) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتنِي إلَى أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ. أَوْ: حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ، فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَكَلَّمَتْهُ قَبْلَ قُدُومِهِ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ مَدَّ الْمَنْعَ إلَى غَايَةٍ هِيَ قُدُومُ زَيْدٍ، فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَهَا. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت إنْ اسْتَدَمْت كَلَامِي مِنْ الْآن إلَى أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ. دُيِّنَ. وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.

[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت]

(٥٩٧٥) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت. أَوْ: إذَا شِئْت. أَوْ: مَتَى شِئْت. أَوْ: كُلَّمَا شِئْت. أَوْ: كَيْفَ شِئْت. أَوْ: حَيْثُ شِئْت. أَوْ: أَنَّى شِئْت. لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءَ، وَتَنْطِقَ بِالْمَشِيئَةِ بِلِسَانِهَا، فَتَقُولَ: قَدْ شِئْت. لِأَنَّ مَا فِي الْقَلْبِ لَا يُعْلَمُ حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ اللِّسَانُ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِمَا يَنْطِقُ بِهِ، دُونَ مَا فِي الْقَلْبِ، فَلَوْ شَاءَتْ بِقَلْبِهَا دُونَ نُطْقِهَا، لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ، وَلَوْ قَالَتْ: قَدْ شِئْت. بِلِسَانِهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، لَوَقَعَ الطَّلَاقُ، اعْتِبَارًا بِالنُّطْقِ. وَكَذَلِكَ إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهَا. وَمَتَى وَجَدَتْ الْمَشِيئَةُ بِاللِّسَانِ، وَقَعَ الطَّلَاقُ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي.

نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَةِ فُلَانٍ، وَفِيمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ شِئْت. أَوْ: أَنَّى شِئْت. وَنَحْوَ هَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ دُونَ صَاحِبَيْهِ: إذَا قَالَ: أَنْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>