للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، لَزِمَهُ تِسْعَةٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ الِاسْتِثْنَاءَ لَكِنَّهُ رَفَعَهَا جَهْلًا مِنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ، لَا قَصْدًا لِلصِّفَةِ.

[فَصْلٌ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ]

(٣٨٢٤) فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ، فَإِنْ سَكَتَ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ فِيهِ، أَوْ فَصَلَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُسْتَثْنَى بِكَلَامِ أَجْنَبِيٍّ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَكَتَ أَوْ عَدَلَ عَنْ إقْرَارِهِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ، اسْتَقَرَّ حُكْمُ مَا أَقَرَّ بِهِ، فَلَمْ يَرْتَفِعْ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي كَلَامِهِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ، وَيَنْتَظِرُ مَا يَتِمُّ بِهِ كَلَامُهُ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ وَالْعَطْفِ وَالْبَدَلِ وَنَحْوِهِ.

[فَصْل اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ فِي الْإِقْرَار]

(٣٨٢٥) فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَفَعَ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ، وَاسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ رَفَعَ الْكُلَّ، فَلَوْ صَحَّ صَارَ الْكَلَامُ كُلُّهُ لَغْوًا غَيْرَ مُفِيدٍ، فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا. أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَدِرْهَمَانِ إلَّا دِرْهَمَيْنِ. أَوْ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ إلَّا نِصْفًا، أَوْ إلَّا دِرْهَمًا. أَوْ خَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ إلَّا خَمْسَةً. لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَزِمَهُ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيه مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ الْعَاطِفَةَ تَجْمَعُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ، وَتَجْعَلُ الْجُمْلَتَيْنِ كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا مَعْطُوفًا بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِالْوَاوِ، عَادَ إلَى جَمِيعِهَا، كَقَوْلِنَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٥] إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَادَ إلَى الْجُمْلَتَيْنِ، فَإِذَا تَابَ الْقَاذِفُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَجْلِسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» .

وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَمْ تُخْرِجْ الْكَلَامَ مِنْ أَنْ يَكُونَ جُمْلَتَيْنِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَرْفَعُ إحْدَاهُمَا جَمِيعًا، وَلَا نَظِيرَ لِهَذَا فِي كَلَامِهِمْ، وَلِأَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ تَجْعَلُ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ لَغْوًا، لِأَنَّهُ أَثْبَتَ شَيْئًا بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ، ثُمَّ رَفَعَهُ كُلَّهُ، فَلَا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ اسْتَثْنَى مِنْهَا وَهِيَ غَيْرُ مَعْطُوفَةٍ عَلَى بَعْضِهَا، فَأَمَّا الْآيَةُ وَالْخَبَرُ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَمْ يَرْفَعْ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ، إنَّمَا أَخْرَجَ مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ مَعًا مَنْ اتَّصَفَ بِصِفَةٍ، فَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ لِلْبَوَّابِ: مَنْ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ فَأْذَنْ لَهُ، وَأَعْطِهِ دِرْهَمًا، إلَّا فُلَانًا.

وَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا مَا لَوْ قَالَ: أَكْرِمْ زَيْدًا وَعَمْرًا إلَّا عَمْرًا. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ وَثَلَاثَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ. لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْجُمْلَةَ الْأُولَى كُلَّهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: أَكْرِمْ زَيْدًا وَعَمْرًا إلَّا زَيْدًا. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ، خُرِّجَ فِيهِ وَجْهَانِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى أَكْثَرَ الْجُمْلَةِ الَّتِي تَلِيه، وَاسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ فَاسِدٌ، كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>