الرِّوَايَةِ، إنْ أَدَّى عَتَقَ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ لَمْ يَعْتِقْ.
فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُؤَدِّيهِ الْإِمَامُ مِنْهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَجْزًا، وَلَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ الْفَسْخَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَدِّ، عَجَّزَهُ السَّيِّدُ إنْ أَحَبَّ، فَإِنَّهُ قَالَ إذَا لَمْ يُؤَدِّ نَجْمًا، حَتَّى حَلَّ نَجْمٌ آخَرُ، عَجَّزَهُ السَّيِّدُ إنْ أَحَبَّ، وَعَادَ عَبْدًا غَيْرَ مُكَاتَبٍ. وَنَحْوَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ شَاءَ عَجَّزَ نَفْسَهُ، وَامْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُجْبَرُ عَلَى اكْتِسَابِ مَا يُؤَدِّيهِ فِي الْكِتَابَةِ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْأَدَاءِ، كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْعَقْدِ اسْتِحْقَاقُ الْحُرِّيَّةِ بِمِلْكِ مَا يُؤَدِّي، فَلَمْ يَمْلِكْ إبْطَالَهَا، كَمَا لَوْ أَدَّى. فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ قَبْلَ أَدَائِهِ، جَازَ بِعَجْزِهِ وَاسْتِرْقَاقِهِ. وَجْهًا وَاحِدًا.
[مَسْأَلَةٌ أَدَّى بَعْضَ كِتَابَتِهِ وَمَاتَ وَفِي يَدِهِ وَفَاءٌ]
(٨٧١٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا أَدَّى بَعْضَ كِتَابَتِهِ، وَمَاتَ وَفِي يَدِهِ وَفَاءٌ وَفَضْلٌ، فَهُوَ لِسَيِّدِهِ. فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْأُخْرَى، لِسَيِّدِهِ بَقِيَّةُ كِتَابَتِهِ وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ) يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا، فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِمِلْكِ مَا يُؤَدِّي. فَقَدْ مَاتَ رَقِيقًا، فَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِهِ، وَكَانَ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ عَتَقَ بِمِلْكِ مَا يُؤَدِّي. فَقَدْ مَاتَ حُرًّا، وَعَلَيْهِ لِسَيِّدِهِ بَقِيَّةُ كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَهُ عَلَيْهِ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ. قَالَ الْقَاضِي: الْأَصَحُّ أَنَّهُ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِهِ، وَيَمُوتُ عَبْدًا، وَمَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدٍ، وَالزُّهْرِيِّ. وَبِهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَتَادَةُ، وَالشَّافِعِيُّ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَلِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ، فَوَجَبَ أَنْ تَنْفَسِخَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَلِأَنَّهُ عِتْقٌ عُلِّقَ بِشَرْطٍ مُطْلَقٍ، فَيَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا، فَأَنْتَ حُرٌّ. وَالرِّوَايَةُ
الثَّانِيَةُ، يَعْتِقُ، وَيَمُوتُ حُرًّا، وَلِسَيِّدِهِ بَقِيَّةُ كِتَابَتِهِ، وَمَا فَضَلَ لِوَرَثَتِهِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَمُعَاوِيَةَ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ وَطَاوُسٌ، وَشُرَيْحٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَمَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: يَكُونُ حُرًّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ. وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي.
وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، مَا قَدَّمْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَلِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْآخَرِ، كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ أَحَدُ مَنْ تَمَّتْ بِهِ الْكِتَابَةُ، فَلَمْ تَنْفَسِخْ بِمَوْتِهِ كَالسَّيِّدِ. وَالْأُولَى أَوْلَى. وَتُفَارِقُ الْكِتَابَةُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهِ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ بِتَلَفِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute