[فَصْل أَفْسَدَ الْقَارِنُ نُسُكَهُ ثُمَّ قَضَى مُفْرِدًا]
(٢٦٢٥) فَصْلٌ: وَإِذَا أَفْسَدَ الْقَارِنُ نُسُكَهُ، ثُمَّ قَضَى مُفْرِدًا، لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْقَضَاءِ دَمٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْقَضَاءِ مَا يَجِبُ فِي الْأَدَاءِ، وَهَذَا كَانَ وَاجِبًا فِي الْأَدَاءِ.
وَلَنَا، أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ مَعَ الدَّمِ، فَإِذَا أَتَى بِهِمَا فَقَدْ أَتَى بِمَا هُوَ أَوْلَى، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، كَمَنْ لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ بِتَيَمُّمِ، فَقَضَى بِالْوُضُوءِ.
[مَسْأَلَة الْوَطْء بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ]
(٢٦٢٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَيَمْضِي إلَى التَّنْعِيمِ فَيُحْرِمُ؛ لِيَطُوفَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ (٢٦٢٧) : أَحَدُهَا، أَنَّ الْوَطْءَ بَعْدَ الْجَمْرَةِ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَحَمَّادٌ: عَلَيْهِ حَجٌّ مِنْ قَابِلٍ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ صَادَفَ إحْرَامًا مِنْ الْحَجِّ، فَأَفْسَدَهُ، كَالْوَطْءِ قَبْلَ الرَّمْيِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَكَانَ قَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ» . وَلِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ يَوْمَ النَّحْرِ: يَنْحَرَانِ جَزُورًا بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ. وَلَا نَعْرِفُ لَهُ مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ.
وَلِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ لَهَا تَحَلُّلَانِ، فَوُجُودُ الْمُفْسِدِ بَعْدَ تَحَلُّلِهَا الْأَوَّلِ لَا يُفْسِدُهَا، كَبَعْدِ التَّسْلِيمَةِ الْأَوْلَى فِي الصَّلَاةِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ. الْفَصْلُ الثَّانِي، أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ شَاةٌ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَرَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَإِسْحَاقَ.
وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ عَلَيْهِ بَدَنَةً. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي الْحَجِّ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ، كَمَا قَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ وَطْءٌ لَمْ يُفْسِدْ، فَلَمْ يُوجِبْ كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ إذَا لَمْ يُنْزِلْ. وَلِأَنَّ حُكْمَ الْإِحْرَامِ خَفَّ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُوجِبُهُ دُونَ مُوجِبِ الْإِحْرَامِ التَّامِّ. (٢٦٢٩) الْفَصْلُ الثَّالِثُ، أَنَّهُ يَفْسُدُ الْإِحْرَامُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْحِلَّ. وَبِذَلِكَ قَالَ عِكْرِمَةُ، وَرَبِيعَةُ، وَإِسْحَاقُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ: حَجُّهُ صَحِيحٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ؛ لِأَنَّهُ إحْرَامٌ لَا يَفْسُدُ جَمِيعُهُ، فَلَمْ يَفْسُدْ بَعْضُهُ، كَمَا لَوْ وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الثَّانِي.
وَلَنَا، أَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ إحْرَامًا، فَأَفْسَدَهُ، كَالْإِحْرَامِ التَّامِّ، وَإِذَا فَسَدَ إحْرَامُهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ لِيَأْتِيَ بِالطَّوَافِ فِي إحْرَامٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ، فَيَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِي إحْرَامٍ صَحِيحٍ، كَالْوُقُوفِ، وَيَلْزَمُهُ