[فَصْلٌ وَلَدُ أُمُّ الْوَلَدِ قَبْلَ اسْتِيلَادِهَا]
(٨٨٦٤) فَصْلٌ: فَأَمَّا وَلَدُ أُمُّ الْوَلَدِ قَبْلَ اسْتِيلَادِهَا، وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ قَبْلَ تَدْبِيرِهَا، وَالْمُكَاتَبَةِ قَبْلَ كِتَابَتِهَا، فَلَا يَتْبَعُهَا؛ لِوُجُودِهِ قَبْلَ انْعِقَادِ السَّبَبِ فِيهَا، وَزَوَالِ حُكْمِ التَّبَعِيَّةِ عَنْهُ قَبْلَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ فِي أُمِّهِ، وَلِهَذَا لَا يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ الْمُنْجَزِ، فَفِي السَّبَبِ أَوْلَى. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ قَبْلَ التَّدْبِيرِ رِوَايَتَيْنِ، فَيُخَرَّجُ هَاهُنَا مِثْلُهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْمُنْفَصِلَ لَا يَتْبَعُهَا فِي عِتْقٍ، وَلَا بَيْعٍ، وَلَا هِبَةٍ، وَلَا رَهْنٍ، وَلَا شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، سِوَى الْإِسْلَامِ، بِشَرْطِ كَوْنِهِ صَغِيرًا، فَكَيْفَ يَتْبَعُ فِي التَّدْبِيرِ، وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا قِيَاسَ يَقْتَضِيه، فَيَبْقَى بِحَالِهِ.
[مَسْأَلَة أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ]
(٨٨٦٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ، مُنِعَ مِنْ وَطْئِهَا، وَالتَّلَذُّذِ بِهَا، وَأُجْبِرَ عَلَى نَفَقَتِهَا. فَإِذَا أَسْلَمَ، حَلَّتْ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، عَتَقَتْ) . وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ يَصِحُّ مِنْهُ الِاسْتِيلَادُ لِأَمَتِهِ، كَمَا يَصِحُّ مِنْهُ عِتْقُهَا. وَإِذَا اسْتَوْلَدَ الذِّمِّيُّ أَمَتَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ، لَمْ تَعْتِقْ فِي الْحَالِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ مَالِكٌ: تَعْتِقُ، إذْ لَا سَبِيلَ إلَى بَيْعِهَا، وَلَا إلَى إقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ مِلْكِ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ، فَلَمْ يَجُزْ، كَالْأَمَةِ الْقِنِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهَا تُسْتَسْعَى، فَإِنْ أَدَّتْ، عَتَقَتْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ؛ حَقِّهَا فِي أَنْ لَا يَبْقَى مِلْكُ الْكَافِرِ عَلَيْهَا، وَحَقِّهِ فِي حُصُولِ عِوَضِ مِلْكِهِ، فَأَشْبَهَ بَيْعَهَا إذَا لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ.
وَلَنَا، أَنَّهُ إسْلَامٌ طَرَأَ عَلَى مِلْكٍ، فَلَمْ يُوجِبْ عِتْقًا، وَلَا سِعَايَةً، كَالْعَبْدِ الْقِنِّ. وَمَا ذَكَرُوهُ مُجَرَّدُ حِكْمَةٍ لَمْ يُعْرَفْ مِنْ الشَّارِعِ اعْتِبَارُهَا، وَبَقَاؤُهَا ضَرَرٌ، فَإِنَّ فِي عِتْقِهَا مَجَّانًا إضْرَارًا بِالْمَالِكِ، بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَفِي الِاسْتِسْعَاءِ إلْزَامٌ لَهَا بِالْكَسْبِ بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَتَضْيِيعٌ لَحَقِّهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إحَالَةً عَلَى سِعَايَةٍ لَا نَدْرِي هَلْ يَحْصُلُ مِنْهَا شَيْءٌ أَوْ لَا؟ وَإِنْ حَصَلَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ يَسِيرًا، فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وُجُودُهُ قَرِيبٌ مِنْ عَدَمِهِ، وَالْحَقُّ أَنْ يَبْقَى الْمِلْكُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَيُمْنَعَ مِنْ وَطْئِهَا، وَالتَّلَذُّذِ بِهَا، كَيْ لَا يَطَأَهَا وَيَبْتَذِلَهَا وَهُوَ مُشْرِكٌ، وَيُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَيُمْنَعَ الْخَلْوَةَ بِهَا، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ، وَيُجْبَرَ عَلَى نَفَقَتِهَا عَلَى التَّمَامِ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ، وَمَنْعُهُ مِنْ وَطْئِهَا بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ مِنْهَا، فَأَشْبَهَتْ الْحَائِضَ وَالْمَرِيضَةَ، وَتُسَلَّمُ إلَى امْرَأَةٍ ثِقَةٍ، تَكُونُ عِنْدَهَا، لِتَحْفَظَهَا، وَتَقُومَ بِأَمْرِهَا، وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى أَجْرٍ، أَوْ أَجْرِ مَسْكَنٍ، فَعَلَى سَيِّدِهَا.
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهَا، وَمَا فَضَلَ مِنْ كَسْبِهَا فَهُوَ لِسَيِّدِهَا. وَإِنْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهَا، فَهَلْ يَلْزَمُ سَيِّدَهَا تَمَامُ نَفَقَتِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَنَحْوُ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى سَيِّدِهَا، وَكَسْبَهَا لَهُ، يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا عَلَى التَّمَامِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute