فَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ فِي تَفْضِيلِ الْبُرِّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْأَفْضَلُ بَعْدَ التَّمْرِ مَا كَانَ أَعْلَى قِيمَةً وَأَكْثَرَ نَفْعًا
[مَسْأَلَةُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ أَجْنَاسًا مَعْدُودَةً لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهَا]
(١٩٦١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَمَنْ قَدَرَ عَلَى التَّمْرِ، أَوْ الزَّبِيبِ، أَوْ الْبُرِّ، أَوْ الشَّعِيرِ، أَوْ الْأَقِطِ فَأَخْرَجَ غَيْرَهُ لَمْ يُجْزِهِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَ الْمَعْدُولُ إلَيْهِ قُوتَ بَلَدِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَتَوَجَّهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يُعْطِي مَا قَامَ مَقَامَ الْخَمْسَةِ، عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَالطَّعَامُ قَدْ يَكُونُ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ وَمَا دَخَلَ فِي الْكَيْلِ. قَالَ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مُحْتَمَلٌ، وَأَقْيَسُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُ الْخَمْسَةِ، إلَّا أَنْ يَعْدَمَهَا، فَيُعْطِيَ مَا قَامَ مَقَامَهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: يُخْرِجُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَيُّ قُوتٍ كَانَ الْأَغْلَبَ عَلَى الرَّجُلِ، أَدَّى الرَّجُلُ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ؛ فَمِنْهُمْ مِنْ قَالَ بُقُولِ مَالِكٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الِاعْتِبَارُ بِغَالِبِ قُوتِ الْمُخْرِجِ، ثُمَّ إنْ عَدَلَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَى أَعْلَى مِنْهُ، جَازَ، وَإِنْ عَدَلَ إلَى دُونِهِ، فَفِيهِ قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَجُوزُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ» وَالْغِنَى يَحْصُلُ بِالْقُوتِ وَالثَّانِي، لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ عَدَلَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَى أَدْنَى مِنْهُ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ، كَمَا لَوْ عَدَلَ عَنْ الْوَاجِبِ فِي زَكَاةِ الْمَالِ إلَى أَدْنَى مِنْهُ.
وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ أَجْنَاسًا مَعْدُودَةً، فَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهَا، كَمَا لَوْ أَخْرَجَ الْقِيمَةَ وَذَلِكَ لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَجْنَاسِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْفَرْضَ تَفْسِيرٌ لِلْمَفْرُوضِ، فَمَا أُضِيفَ إلَى الْمُفَسَّرِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّفْسِيرِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ مَفْرُوضَةً فَيَتَعَيَّنُ الْإِخْرَاجُ مِنْهَا، وَلِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ غَيْرَهَا عَدَلَ عَنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُجْزِ، كَإِخْرَاجِ الْقِيمَةِ، وَكَمَا لَوْ أَخْرَجَ عَنْ زَكَاةِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَالْإِغْنَاءُ يَحْصُلُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ؛ لِكَوْنِهِمَا جَمِيعًا يَدُلَّانِ عَلَى وُجُوبِ الْإِغْنَاءِ بِأَدَاءِ أَحَدِ الْأَجْنَاسِ الْمَفْرُوضَةِ.
[فَصْلُ إخْرَاجِ السَّلْت فِي صَدَقَة الْفِطْر]
(١٩٦٢) فَصْلٌ: وَالسُّلْتُ نَوْعٌ مِنْ الشَّعِيرِ، فَيَجُوزُ إخْرَاجُهُ؛ لِدُخُولِهِ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَقَدْ صُرِّحَ بِذِكْرِهِ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ «كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ سُلْتٍ.» وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ «لَمْ نُخْرِجْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute