الْعِتْقُ إلَّا بِتَكْلِيمِهِمَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ تَكْلِيمَهُمَا مَعًا شَرْطًا لِوُقُوعِ ذَلِكَ، وَلَا يَثْبُتُ الْمَشْرُوطُ إلَّا بِوُجُودِ الشَّرْطِ جَمِيعِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إنْ حِضْتُمَا، فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ. لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا بِحَيْضِهِمَا جَمِيعًا، وَتُفَارِقُ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ - تَعَالَى، فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا الْمَنْعُ مِنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَتَحْصُلُ الْمُخَالَفَةُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ. وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا فِي الْحِنْثِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ؛ لِكَوْنِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحَلِفِ كُلِّهِ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ، الْمَنْعَ مِنْ فِعْلِهِ، فَيَسْتَوِيَانِ. أَمَّا إذَا قَالَ: إذَا حِضْتُمَا، فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ. فَلَيْسَ ذَلِكَ بِيَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهَذَا مَنْعٌ مِنْ شَيْءٍ، وَلَا حَثٌّ عَلَيْهِ، إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ مُجَرَّدٌ، وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ.
[فَصْلٌ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ خُبْزًا وَلَحْمًا]
(٨١٠١) فَصْلٌ: وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَلَا زُبْدًا وَتَمْرًا، وَلَا أَدْخُلُ هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ، وَلَا أَعْصِي اللَّهَ فِي هَذَيْنِ الْبَلَدَيْنِ، وَلَا أُمْسِكُ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ. فَفَعَلَ بَعْضَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، مِثْلَ أَنْ أَكَلَ أَحَدَهُمَا، أَوْ دَخَلَ إحْدَى الدَّارَيْنِ، وَعَصَى اللَّهَ فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ، أَوْ أَمْسَكَ إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ، فَهَلْ يَحْنَثُ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَصَدَ بِيَمِينِهِ أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، أَوْ الْمَنْعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَيَمِينُهُ عَلَى مَا نَوَاهُ.
وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ سَمَكًا وَأَشْرَبَ لَبَنًا. بِالْفَتْحِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَاوُ هَاهُنَا بِمَعْنَى (مَعَ) ، وَلِذَلِكَ اقْتَضَتْ الْفَتْحَ، وَإِنْ عَطَفَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِتَكْرَارِ " لَا "، اقْتَضَى الْمَنْعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا، وَحَنِثَ بِفِعْلِهِ.
[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبًا فَأُشْتَرَى بِهِ أَوْ بِثَمَنِهِ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ]
(٨١٠٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبًا، فَاشْتَرَى بِهِ أَوْ بِثَمَنِهِ ثَوْبًا، فَلَبِسَهُ، حَنِثَ إذَا كَانَ مِمَّنْ اُمْتُنَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الثَّوْبِ، وَكَذَلِكَ إنْ انْتَفَعَ بِثَمَنِهِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعُ أَصْلٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَهُوَ أَنَّ الْأَسْبَابَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْأَيْمَانِ فَيَتَعَدَّى، الْحُكْمُ بِتَعَدِّيهَا، فَإِذَا اُمْتُنَّ عَلَيْهِ بِثَوْبٍ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَهُ، لِتَنْقَطِعَ الْمِنَّةُ بِهِ حَنِثَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ فِي غَيْرِ اللُّبْسِ مِنْ أَخْذِ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ انْتِفَاعٍ بِهِ يُلْحِقُ الْمِنَّةَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَطْعَ الْمِنَّةِ، وَلَا كَانَ سَبَبُ يَمِينِهِ يَقْتَضِي ذَلِكَ، لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِمَا تَنَاوَلَتْهُ يَمِينُهُ، وَهُوَ لُبْسُهُ خَاصَّةً، فَلَوْ أَبْدَلَهُ بِثَوْبِ غَيْرِهِ، ثُمَّ لَبِسَهُ، أَوْ انْتَفَعَ بِهِ فِي غَيْرِ اللُّبْسِ، أَوْ بَاعَهُ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْيَمِينِ لَهُ لَفْظًا وَنِيَّةً وَسَبَبًا.
(٨١٠٣) فَصْلٌ: فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا عَلَيْهِ فِيهِ لَهَا مِنَّةٌ سِوَى الِانْتِفَاعِ بِالثَّوْبِ، وَبِعِوَضِهِ، مِثْلَ أَنْ سَكَنَ، دَارَهَا، أَوْ أَكَلَ طَعَامَهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute