للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا، يُقَدَّمُ الْوَلَدُ لِأَنَّهُ كَبَعْضِهِ. وَالثَّانِي الْوَالِدُ؛ لِأَنَّهُ كَبَعْضِ وَالِدِهِ. وَتُقَدَّمُ فِطْرَةُ الْأُمِّ عَلَى فِطْرَةِ الْأَبِ، لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ فِي الْبِرِّ، بِدَلِيلِ «قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ لَمَّا سَأَلَهُ مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ أُمَّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أُمَّكَ. قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ أُمَّك قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أَبَاكَ» . وَلِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ عَنْ الْكَسْبِ.

وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ فِطْرَةِ الْأَبِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . ثُمَّ بِالْجَدِّ، ثُمَّ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ فِي الْمِيرَاثِ. وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ فِطْرَةِ الْوَلَدِ عَلَى فِطْرَةِ الْمَرْأَةِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّدَقَةِ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: عِنْدِي دِينَارٌ. قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ. قَالَ عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ. قَالَ عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ.» فَقَدَّمَ الْوَلَدَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ عَنْهُ. وَلِأَنَّ الْوَلَدَ كَبَعْضِهِ، فَيُقَدَّمُ كَتَقْدِيمِ نَفْسِهِ، وَلِأَنَّهُ إذَا ضَيَّعَ وَلَدَهُ لَمْ يَجِدْ مِنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، فَيَضِيعُ، وَالزَّوْجَةُ إذَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ لَهَا مَنْ يَمُونُهَا، مِنْ زَوْجٍ أَوْ ذِي رَحِمٍ.

وَلِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ، فَكَانَتْ أَضْعَفَ فِي اسْتِتْبَاعِ الْفِطْرَةِ مِنْ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى سَبِيلِ الصِّلَةَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعِوَضِ الْمُقَدَّرِ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَمَّنْ لَهُ الْعِوَضُ وَلِهَذَا لَمْ تَجِبُ فِطْرَةُ الْأَخِيرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ مُؤْنَتُهُ، بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ، فَإِنَّهَا كَمَا اقْتَضَتْ صِلَتَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، اقْتَضَتْ صِلَتَهُ بِتَطْهِيرِهِ بِإِخْرَاجِ الْفِطْرَةِ عَنْهُ.

[فَصْلُ لَمْ يَفْضُلْ إلَّا بَعْضُ صَاعٍ لَيْلَةَ الْعِيدِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ]

(١٩٧٨) فَصْلٌ: فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ إلَّا بَعْضُ صَاعٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا لَا يَلْزَمُهُ. اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ فَلَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يَمْلِكُ جَمِيعَهَا، كَالْكَفَّارَةِ. وَالثَّانِيَةُ، يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ.» وَلِأَنَّهَا طُهْرَةٌ، فَوَجَبَ مِنْهَا مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، كَالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ، وَلِأَنَّ الْجُزْءَ مِنْ الصَّاعِ يُخْرَجُ عَنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، فَجَازَ أَنْ يُخْرَجَ عَنْ غَيْرِهِ كَالصَّاعِ

[فَصْلُ أَعْسَرَ بِفِطْرَةِ زَوْجَتِهِ]

(١٩٧٩) فَصْلٌ: وَإِنْ أَعْسَرَ بِفِطْرَةِ زَوْجَتِهِ، فَعَلَيْهَا فِطْرَةُ نَفْسِهَا، أَوْ عَلَى سَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً؛ لِأَنَّهَا تُتَحَمَّلُ إذَا كَانَ ثَمَّ مُتَحَمِّلٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَادَ إلَيْهَا، كَالنَّفَقَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ عَلَى مَنْ وُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ لِعُسْرَتِهِ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَى غَيْرِهِ، كَفِطْرَةِ نَفْسِهِ. وَتُفَارِقُ النَّفَقَةَ، فَإِنَّ وُجُوبَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>