للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَمَنٍ سَلِيمٍ، فَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَا لَيْسَ بِسَلِيمِ، كَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالسَّلِيمِ، وَلَا يُؤَثِّرُ قَبْضُ الْمَعِيبِ فِي الْعَقْدِ. وَإِنْ تَفَرَّقَا، ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ فَرَدَّهُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ، لِوُقُوعِ الْقَبْضِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ.

وَالثَّانِي، لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الْأَوَّلَ كَانَ صَحِيحًا؛ بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَمْسَكَهُ وَلَمْ يَرُدَّهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْبُوضِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَاخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ، لَكِنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَقْبِضَ الْبَدَلَ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ، فَإِنْ تَفَرَّقَا عَنْ مَجْلِسِ الرَّدِّ قَبْلَ قَبْضِ الْبَدَلَ لَمْ يَصِحَّ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِخُلُوِّ الْعَقْدِ عَنْ قَبْضِ الثَّمَنِ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا.

وَإِنْ وَجَدَ بَعْضَ الثَّمَنِ رَدِيئًا فَرَدَّهُ، فَعَلَى الْمَرْدُودِ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَهَلْ يَصِحُّ فِي غَيْرِ الرَّدِيءِ إذَا قُلْنَا بِفَسَادِهِ فِي الرَّدِيءِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.

[فَصْلٌ خَرَجَتْ الدَّرَاهِمُ فِي السَّلَم مُسْتَحَقَّة وَالثَّمَنُ مُعَيَّنٌ]

(٣٢٣٣) فَصْلٌ: وَإِنْ خَرَجَتْ الدَّرَاهِمُ مُسْتَحَقَّةً وَالثَّمَنُ مُعَيَّنٌ، لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا خَرَجَتْ الدَّرَاهِمُ مَسْرُوقَةً، فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الثَّمَنَ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا فَقَدْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِبَدَلِهِ فِي الْمَجْلِسِ.

وَإِنْ قَبَضَهُ ثُمَّ تَفَرَّقَا بَطَلَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا، فَقَدْ تَفَرَّقَا قَبْلَ أَخْذِ الثَّمَنِ، إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُلْ بِصِحَّةِ تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ، أَوْ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. وَإِنْ وَجَدَ بَعْضَهُ مُسْتَحَقًّا، بَطَلَ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ، وَفِي الْبَاقِي وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.

[فَصْلٌ لَهُ فِي ذِمَّة رَجُل دِينَار فَجَعَلَهُ سَلَمَا فِي طَعَام إلَى أَجَلٍ]

(٣٢٣٤) فَصْلٌ: إذَا كَانَ لَهُ فِي ذِمَّةِ رَجُلٍ دِينَارٌ، فَجَعَلَهُ سَلَمًا فِي طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ، لَمْ يَصِحَّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَالشَّافِعِيُّ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ، فَإِذَا جَعَلَ الثَّمَنَ دَيْنًا كَانَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ.

وَلَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ طَعَامٍ. وَشَرَطَا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ مِنْهَا خَمْسِينَ وَخَمْسِينَ إلَى أَجَلٍ، لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ، عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَيُخَرَّجُ [فِي] صِحَّتِهِ فِي قَدْرِ الْمَقْبُوضِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ أَحَدُهُمَا، يَصِحُّ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالثَّانِي، لَا يَصِحُّ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَهُوَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ لِلْمُعَجَّلِ فَضْلًا عَلَى الْمُؤَجَّلِ، فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَتِهِ أَكْثَرِ مِمَّا فِي مُقَابَلَةِ الْمُؤَجَّلِ، وَالزِّيَادَةُ مَجْهُولَةٌ، فَلَا يَصِحُّ.

[مَسْأَلَةٌ مَعْرِفَةُ صِفَةِ الثَّمَنِ الْمُعَيَّن فِي السَّلَم]

(٣٢٣٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَتَى عَدِمَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، بَطَلَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ السِّتَّةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، لَا يَصِحُّ السَّلَمُ إلَّا بِهَا، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>