للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلِ عَلِيٍّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِقَوْلِهِ: أَطْعِمُوهُ حَلَالًا، فَأَنَا حُرُمٌ. وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوهُ» . فَمَفْهُومُهُ أَنَّ إشَارَةَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تُحَرِّمُهُ عَلَيْهِمْ.

[فَصْلٌ قَتَلَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ ثُمَّ أَكَلَهُ]

(٢٣٤٨) فَصْلٌ: إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ، ثُمَّ أَكَلَهُ، ضَمِنَهُ لِلْقَتْلِ دُونَ الْأَكْلِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَضْمَنُهُ لِلْأَكْلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مِنْ صَيْدٍ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ، فَيَضْمَنُهُ، كَمَا لَوْ أَكَلَ مِمَّا صِيدَ لِأَجْلِهِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ صَيْدٌ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ، فَلَمْ يَضْمَن ثَانِيًا، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ الْأَكْلِ، وَكَصَيْدِ الْحَرَمِ إذَا قَتَلَهُ الْحَلَالُ وَأَكَلَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ، ثُمَّ أَكَلَ هَذَا مِنْهُ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَلِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لِكَوْنِهِ مَيْتَةً، وَالْمَيْتَةُ لَا تُضْمَنُ بِالْجَزَاءِ. وَكَذَلِكَ إنْ حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، وَالْإِعَانَةِ عَلَيْهِ، فَأَكَلَ مِنْهُ، لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ مَرَّةً، فَلَا يَجِبُ بِهِ جَزَاءٌ ثَانٍ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ.

وَإِنْ أَكَلَ مِمَّا صِيدَ لِأَجْلِهِ، ضَمِنَهُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ. وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَكْلٌ لِلصَّيْدِ، فَلَمْ يَجِبْ بِهِ الْجَزَاءُ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ.

وَلَنَا، إنَّهُ إتْلَافٌ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ، فَتَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ، كَالْقَتْلِ. أَمَّا إذَا قَتَلَهُ، ثُمَّ أَكَلَهُ، لَا يُحَرَّمُ لِلْإِتْلَافِ، إنَّمَا حُرِّمَ لِكَوْنِهِ مَيْتَةً. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ مِنْ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ مَضْمُونٌ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ، فَكَذَلِكَ أَبْعَاضُهُ تُضْمَنُ بِمِثْلِهَا، بِخِلَافِ حَيَوَانِ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ، فَكَذَلِكَ أَبْعَاضُهُ.

[فَصْل إذَا ذَبَحَ الْمُحْرِم الصَّيْد صَارَ مَيِّتَة]

(٢٣٤٩) فَصْلٌ: وَإِذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ صَارَ مَيْتَةً، يَحْرُمُ أَكْلُهُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.

وَقَالَ الْحَكَمُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ ذَبِيحَةِ السَّارِقِ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: يَأْكُلُهُ الْحَلَالُ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلٌ قَدِيمٌ، أَنَّهُ يَحِلُّ لِغَيْرِهِ الْأَكْلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَنْ أَبَاحَتْ ذَكَاتُهُ غَيْرَ الصَّيْدِ أَبَاحَتْ الصَّيْدَ، كَالْحَلَالِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ حَيَوَانٌ حُرِّمَ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَحِلَّ بِذَبْحِهِ كَالْمَجُوسِيِّ، وَبِهَذَا فَارَقَ سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ، وَفَارَقَ غَيْرَ الصَّيْدِ، فَإِنَّهُ لَا يُحَرَّمُ ذَبْحُهُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا ذَبَحَهُ الْحَلَالُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>