أُوجِبَ بِالْقَتْلِ. فَقَالَ: اعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً، يَعْتِقْ اللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» .، وَلِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ، فَفِي الْعَمْدِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ إثْمًا، وَأَكْبَرُ جُرْمًا، وَحَاجَتُهُ إلَى تَكْفِيرِ ذَنْبِهِ أَعْظَمُ.
وَلَنَا، مَفْهُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] . ثُمَّ ذَكَرَ قَتْلَ الْعَمْدِ، فَلَمْ يُوجِبْ فِيهِ كَفَّارَةً، وَجَعَلَ جَزَاءَهُ جَهَنَّمَ، فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ. وَرُوِيَ «أَنَّ سُوَيْدٌ بْنَ الصَّامِتِ قَتَلَ رَجُلًا، فَأَوْجَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ الْقَوَدَ، وَلَمْ يُوجِبْ كَفَّارَةً» . «وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَدَاهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُوجِبْ كَفَّارَةً» . وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ يُوجِبُ الْقَتْلَ، فَلَا يُوجِبُ كَفَّارَةً، كَزِنَى الْمُحْصَنِ، وَحَدِيثُ وَاثِلَةَ، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ خَطَأً، وَسَمَّاهُ مُوجِبًا، أَيْ فَوَّتَ النَّفْسَ بِالْقَتْلِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْإِعْتَاقِ تَبَرُّعًا، وَلِذَلِكَ أَمَرَ غَيْرَ الْقَاتِلِ بِالْإِعْتَاقِ.
وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَعْنَى لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ فِي الْخَطَإِ، فَتَمْحُو إثْمَهُ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَخْلُو مِنْ تَفْرِيطٍ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إيجَابُهَا فِي مَوْضِعٍ عَظُمَ الْإِثْمُ فِيهِ، بِحَيْثُ لَا يَرْتَفِعُ بِهَا. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ، وَمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ، كَقَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَالسَّيِّدِ عَبْدَهُ، وَالْحُرِّ الْعَبْدَ، وَالْمُسْلِمِ الْكَافِرَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الْعَمْدِ.
[فَصْلٌ تَجِب الْكَفَّارَة فِي شِبْهِ الْعَمْدِ]
(٧٠٥٥) فَصْلٌ: وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ. وَلَمْ أَعْلَمْ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ قَوْلًا، لَكِنْ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ وَلِأَنَّهُ أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَإِ فِي نَفْيِ الْقِصَاصِ، وَحَمْلِ الْعَاقِلَةِ دِيَتَهُ، وَتَأْجِيلِهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَجَرَى مَجْرَاهُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَلِأَنَّ الْقَاتِلَ إنَّمَا لَمْ يَحْمِلْ شَيْئًا مِنْ الدِّيَةِ لِتَحَمُّلِهِ الْكَفَّارَةَ، فَلَوْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، تَحَمَّلَ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِئَلَّا يَخْلُوَ الْقَاتِلُ عَنْ وُجُوبِ شَيْءٍ أَصْلًا، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute