فِي نِيَّتِهِ كَأَنْ قَالَتْ: قَصَدْت الْهِبَةَ. وَقَالَ: قَصَدْت دَفْعَ الصَّدَاقِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا نَوَاهُ، وَلَا تَطَّلِعُ الْمَرْأَةُ عَلَى نِيَّتِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي لَفْظِهِ، فَقَالَتْ: قَدْ قُلْت خُذِي هَذَا هِبَةً أَوْ هَدِيَّةً. فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي عَقْدًا عَلَى مِلْكِهِ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ بَيْعَ مِلْكِهِ لَهَا، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، كَأَنْ أَصْدَقَهَا دَرَاهِمَ، فَدَفَعَ إلَيْهَا عِوَضًا، ثُمَّ اخْتَلَفَا، وَحَلَفَ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهَا ذَلِكَ مِنْ صَدَاقِهَا، فَلِلْمَرْأَةِ رَدُّ الْعَرْضِ، وَمُطَالَبَتُهُ بِصَدَاقِهَا.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ، فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ، فَبَعَثَ إلَيْهَا بِقِيمَتِهِ مَتَاعًا وَثِيَابًا، وَلَمْ يُخْبِرْهُمْ أَنَّهُ مِنْ الصَّدَاقِ، فَلَمَّا دَخَلَ سَأَلَتْهُ الصَّدَاقَ، فَقَالَ لَهَا: قَدْ بَعَثْت إلَيْك بِهَذَا الْمَتَاعِ، وَاحْتَسَبْتُهُ مِنْ الصَّدَاقِ. فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: صَدَاقِي دَرَاهِمُ: تَرُدُّ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ، وَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِصَدَاقِهَا. فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ إذَا لَمْ يُخْبِرْهُمْ أَنَّهُ صَدَاقٌ، فَأَمَّا إذَا ادَّعَى أَنَّهَا احْتَسَبَتْ بِهِ مِنْ الصَّدَاقِ، وَادَّعَتْ هِيَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ هِبَةٌ. فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَتَرَاجَعَانِ بِمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهَدِيَّتِهِ، كَالثَّوْبِ وَالْخَاتَمِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَلَنَا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ انْتِقَالِ مِلْكِهِ إلَى يَدِهَا، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَالِكِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَوْدَعْتُك هَذِهِ الْعَيْنَ. قَالَتْ: بَلْ وَهَبْتهَا.
[فَصْلٌ مَاتَ الزَّوْجَانِ وَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُمَا]
(٥٥٩٦) فَصْلٌ: إذَا مَاتَ الزَّوْجَانِ، وَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُمَا، قَامَ وَرَثَةُ كُلِّ إنْسَانٍ مَقَامَهُ، إلَّا أَنَّ مَنْ يَحْلِفُ مِنْهُمْ عَلَى الْإِثْبَاتِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ، وَمَنْ يَحْلِفُ عَلَى النَّفْي يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجَانِ، فَادَّعَى وَرَثَةُ الْمَرْأَةِ التَّسْمِيَةَ، وَأَنْكَرَهَا وَرَثَةُ الزَّوْجِ جُمْلَةً، لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ. قَالَ أَصْحَابُهُ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، لِأَنَّهُ تُعْتَبَرُ فِيهِ الصِّفَاتُ وَالْأَوْقَاتُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ.
وَقَالَ زُفَرُ: بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الصَّدَاقِ. وَلَنَا أَنَّ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَعَاقِدَانِ، قَامَ وَرَثَتُهُمَا مَقَامَهُمَا، كَالْمُتَبَايِعِينَ. وَمَا ذَكَرُوهُ لَيْسَ بِصَحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْحَقُّ لَتَقَادَمَ الْعَهْدِ، وَلَا يَتَعَذَّر الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ، كَقِيَمِ سَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ.
[فَصْلٌ اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَأَبُو الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ]
(٥٥٩٧) فَصْلٌ: وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَأَبُو الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ، قَامَ الْأَبُ مَقَامَ الزَّوْجَةِ فِي الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute