للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأُخْرَى، تَكُونُ فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ، فَإِنْ هَلَكَتْ إحْدَاهُمَا نَابَتْ الْأُخْرَى عَنْهَا، وَيُخْتَمُ الَّذِي فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ، وَيَكْتُبُ عَلَى طَيِّهِ: سِجِلُّ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، أَوْ مَحْضَرُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، أَوْ وَثِيقَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ.

فَإِنْ كَثُرَ مَا عِنْدَهُ جَمَعَ مَا يَجْتَمِعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ أَوْ شَهْرٍ، عَلَى قَدْرِ كَثْرَتِهَا وَقِلَّتِهَا وَشَدَّهَا إضْبَارَةً، وَيَكْتُبُ عَلَيْهَا: أُسْبُوعُ كَذَا، مِنْ شَهْرِ كَذَا، مِنْ سَنَةِ كَذَا. ثُمَّ يَضُمُّ مَا يَجْتَمِعُ فِي السَّنَةِ، وَيَدَعُهَا نَاحِيَةً، وَيَكْتُبُ عَلَيْهَا: كُتِبَ سَنَةَ كَذَا. حَتَّى إذَا حَضَرَ مَنْ يَطْلُبُ شَيْئًا مِنْهَا، سَأَلَهُ عَنْ السَّنَةِ، فَيُخْرِجُ كُتُبَ تِلْكَ السَّنَةِ، وَيَسْهُلُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى جَمْعَهَا وَشَدَّهَا بِنَفْسِهِ؛ لِئَلَّا يُزَوَّرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَوَلَّى ذَلِكَ ثِقَةٌ مِنْ ثِقَاتِهِ، جَازَ.

[فَصْلٌ يُجْعَلَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ بِرَسْمِ الْكَاغَد أَيْ الْحَاكِم]

(٨٢٦٤) فَصْلٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ بِرَسْمِ الْكَاغَدِ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ الْمَحَاضِرُ وَالسِّجِلَّاتُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ، فَإِنَّهُ، يُحْفَظُ بِهِ الْوَثَائِقُ، وَيُذَكِّرُ الْحَاكِمَ حُكْمَهُ، وَالشَّاهِدَ شَهَادَتَهُ، وَيُرْجَعُ بِالدَّرْكِ عَلَى مَنْ رَجَعَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَعْوَزَ ذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْ الْحَاكِمَ ذَلِكَ، وَيَقُولُ لِصَاحِبِ الْحَقِّ: إنْ شِئْت جِئْت بِكَاغَدٍ، أَكْتُبُ لَك فِيهِ، فَإِنَّهُ حُجَّةٌ لَك، وَلَسْت أُكْرِهُك عَلَيْهِ.

[فَصْل ارْتَفَعَ إلَى الْحَاكِم خَصْمَانِ فَذَكَرَ أَحَدُهُمَا أَنَّ حَجَّتَهُ فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ]

(٨٢٦٥) فَصْلٌ: وَإِذَا ارْتَفَعَ إلَيْهِ خَصْمَانِ، فَذَكَرَ أَحَدُهُمَا أَنَّ حُجَّتَهُ فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ، فَأَخْرَجَهَا الْحَاكِمُ مِنْ دِيوَانِهِ، فَوَجَدَهَا مَكْتُوبَةً بِخَطِّهِ تَحْت خَتْمِهِ، وَفِيهَا حُكْمُهُ، فَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ، حَكَمَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ، لَمْ يَحْكُمْ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي الشَّهَادَةِ، قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَعَنْ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَحْكُمُ بِهِ.

وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَهَذَا الَّذِي رَأَيْته عَنْ أَحْمَدَ فِي الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي قِمْطَرِهِ تَحْتَ خَتْمِهِ، لَمْ يَحْتَمِلْ أَنْ يَكُونَ إلَّا صَحِيحًا.

وَوَجْهُ الْأُولَى، أَنَّهُ حُكْمُ حَاكِمٍ لَمْ يَعْلَمْهُ، فَلَمْ يَجُزْ إنْفَاذُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، كَحُكْمِ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُزَوَّرَ عَلَيْهِ وَعَلَى خَتْمِهِ، وَالْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ. فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ وَجَدَ فِي دَفْتَرِ أَبِيهِ حَقًّا عَلَى إنْسَانٍ، جَازَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ، وَيَحْلِفَ عَلَيْهِ. قُلْنَا: هَذَا يُخَالِفُ الْحُكْمَ وَالشَّهَادَةَ، بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بِخَطِّ أَبِيهِ شَهَادَةً، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا، وَلَا يَشْهَدَ بِهَا، وَلَوْ وَجَدَ حُكْمَ أَبِيهِ مَكْتُوبًا بِخَطِّهِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ إنْقَاذُهُ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِيمَا حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ إلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ فِعْلُ نَفْسِهِ، فَرُوعِيَ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا كَتَبَهُ أَبُوهُ، فَلَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِيمَا حَكَمَ بِهِ إلَى نَفْسِهِ، فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>