[كِتَابُ الْقِسْمَة]
الْأَصْلُ فِي الْقِسْمَةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر: ٢٨] وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} [النساء: ٨] الْآيَةَ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ، وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ، فَلَا شُفْعَةَ» .
وَقَسَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ. وَأَجْمَعْت الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ الْقِسْمَةِ، وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى الْقِسْمَةِ؛ لِيَتَمَكَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى إيثَارِهِ، وَيَتَخَلَّصَ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَكَثْرَةِ الْأَيْدِي.
[مَسْأَلَةٌ أَتَى الْقَاضِي شَرِيكَانِ فِي رَبْعٍ أَوْ نَحْوِهِ فَسَأَلَاهُ أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَهُمَا]
(٨٣٠٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا أَتَاهُ شَرِيكَانِ فِي رَبْعٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَسَأَلَاهُ أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَهُمَا، قَسَمَهُ، وَأَثْبَتَ فِي الْقَضِيَّةِ بِذَلِكَ، أَنَّ قَسْمَهُ إيَّاهُ بَيْنَهُمَا كَانَ عَنْ إقْرَارِهِمَا، لَا عَنْ بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُمَا بِمِلْكِهِمَا إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الشَّرِيكَيْنِ فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، رَبْعًا أَوْ غَيْرَهُ - وَالرَّبْعُ: هُوَ الْعَقَارُ مِنْ الدُّورِ وَنَحْوِهَا إذَا طَلَبَا مِنْ الْحَاكِمِ أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَهُمَا، أَجَابَهُمَا إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مِلْكُهُمَا.
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ عَقَارًا نَسَبُوهُ إلَى مِيرَاثٍ، لَمْ يَقْسِمْهُ حَتَّى يَثْبُتَ الْمَوْتُ وَالْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ، فَلَا يَقْسِمُهُ احْتِيَاطًا لِلْمَيِّتِ، وَأَمَّا مَا عَدَا الْعَقَارَ يَقْسِمُهُ، وَإِنْ كَانَ مِيرَاثًا؛ لِأَنَّهُ يَبُورُ وَيَهْلَكُ، وَقِسْمَتُهُ تَحْفَظُهُ، وَكَذَلِكَ الْعَقَارُ الَّذِي لَا يُنْسَبُ إلَى الْمِيرَاثِ.
وَظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ، عَقَارًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، مَا لَمْ يَثْبُتْ مِلْكُهُمَا؛ لِأَنَّ قَسْمَهُ بِقَوْلِهِمْ لَوْ رُفِعَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ يَسْتَسْهِلُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ حَكَمًا لَهُمْ، وَلَعَلَّهُ يَكُونُ لِغَيْرِهِمْ.
وَلَنَا، أَنَّ الْيَدَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ، فَيَثْبُتُ لَهُمْ مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ، وَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ مِنْهُمْ، وَاتِّهَابُهُ، وَاسْتِئْجَارُهُ. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ يَنْدَفِعُ إذَا ثَبَتَ فِي الْقَضِيَّةِ أَنِّي قَسَمْته بَيْنَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ، لَا عَنْ بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُمْ بِمِلْكِهِمْ، وَكُلُّ ذِي حُجَّةٍ عَلَى حُجَّتِهِ.
وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِلْكُهُمْ، وَلَا حَقَّ لِلْمَيِّتِ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَمَا ظَهَرَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَلِهَذَا اكْتَفَيْنَا بِهِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ، وَفِيمَا لَمْ يَنْسُبُوهُ إلَى الْمِيرَاثِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute