«وَسَأَلَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ تَضَعَ صَدَقَتَهَا فِي زَوْجِهَا وَبَنِي أَخٍ لَهَا يَتَامَى؟ قَالَ: نَعَمْ، لَهَا أَجْرَانِ؛ أَجْرُ الْقَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ.» رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
وَتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ عَلَى مِنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: ١٦]
[فَصْلُ الْأَوْلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ الْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَة مَنْ يَمُونهُ عَلَى الدَّوَامِ]
(١٩٩٧) فَصْلٌ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ الْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ، وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ عَلَى الدَّوَامِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ،. فَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا يَنْقُصُ عَنْ كِفَايَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، وَلَا كَسْبَ لَهُ، أَثِمَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَمُونُ» . وَلِأَنَّ نَفَقَةَ مِنْ يَمُونُهُ وَاجِبَةٌ، وَالتَّطَوُّعَ نَافِلَةٌ، وَتَقْدِيمُ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَوْ كَانَ لِمَنْ يُمَوَّنُ كِفَايَتُهُمْ فَأَرَادَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَكَانَ ذَا مَكْسَبٍ، أَوْ كَانَ وَاثِقًا مِنْ نَفْسِهِ، يُحْسِنُ التَّوَكُّلَ وَالصَّبْرَ عَلَى الْفَقْرِ، وَالتَّعَفُّفَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ، فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ إلَى فَقِيرٍ فِي السِّرِّ» . وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْت الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُهُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قُلْت: أَبْقَيْت لَهُمْ مِثْلَهُ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قَالَ: اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقُلْت: لَا أُسَابِقُكَ إلَى شَيْءٍ بَعْدَهُ أَبَدًا» .
فَهَذَا كَانَ فَضِيلَةً فِي حَقِّ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِقُوَّةِ يَقِينِهِ، وَكَمَالِ إيمَانِهِ، وَكَانَ أَيْضًا تَاجِرًا ذَا مَكْسَبٍ، فَإِنَّهُ
قَالَ حِينَ وَلِيَ: قَدْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّ كَسْبِي لَمْ يَكُنْ لِيَعْجِزَ عَنْ مُؤْنَةِ عِيَالِي. أَوْ كَمَا
قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمُتَصَدِّقِ أَحَدُ هَذَيْنِ كُرِهَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جَاءَ رَجُلٌ بِمِثْلِ بَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْت هَذِهِ مِنْ مَعْدِنٍ، فَخُذْهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا. فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الْأَيْسَرِ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute