وَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ مَا شَاءَ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ. لَمْ يَكُنْ لَهُ وَضْعُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ، فَلَا تَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلِّهِ كَنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ أَوْ ذَا رَحِمِهِ]
(٨٨٠٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ، أَوْ ذَا رَحِمِهِ مِنْ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِ نِكَاحُهُ، لَمْ يَعْتِقُوا حَتَّى يُؤَدِّيَ وَهُمْ فِي مِلْكِهِ، فَإِنْ عَجَزَ، فَهُمْ عَبِيدٌ لِسَيِّدِهِ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلَيْنِ: (٨٨٠٧) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ، أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، بِغَيْرِ إذْنِ. سَيِّدِهِ. وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ مَالِهِ، لِأَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ مَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، فِي مُقَابَلَةِ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ. فَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَجُوزُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ سَيِّدِهِ، فَجَازَ بِإِذْنِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ اشْتَرَى مَمْلُوكًا لَا ضَرَرَ فِي شِرَائِهِ، فَصَحَّ، كَالْأَجْنَبِيِّ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ كَسْبَهُمْ، وَإِنْ عَجَزَ صَارُوا رَقِيقًا لِسَيِّدِهِ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَهُ غَيْرُهُ، فَصَحَّ شِرَاؤُهُ لَهُ، كَالْأَجْنَبِيِّ، وَيُفَارِقُ الْهِبَةَ؛ لِأَنَّهَا تُفَوِّتُ الْمَالَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلَا نَفْعٍ يَرْجِعُ إلَى الْمُكَاتَبِ وَلَا السَّيِّدِ، وَلِأَنَّهُ تَحَقَّقَ السَّبَبُ، وَهُوَ صُدُورُ التَّصَرُّفِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَانِعُ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا أَصْلَ لَهُ يُقَاسُ عَلَيْهِ. (٨٨٠٨) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ لَا يَعْتِقُونَ بِمُجَرَّدِ مِلْكِهِ لَهُمْ لِأَنَّهُ لَوْ بَاشَرَهُمْ بِالْعِتْقِ، أَوْ أَعْتَقَ غَيْرَهُمْ، لَمْ يَقَعْ الْعِتْقُ فَلَا يَقَعُ بِالشِّرَاءِ الَّذِي أُقِيمَ مَقَامَهُ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُمْ، وَلَا هِبَتُهُمْ، وَلَا إخْرَاجُهُمْ عَنْ مِلْكِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَهُ بَيْعُ مَنْ عَدَا الْمَوْلُودِينَ وَالْوَالِدِينَ لِأَنَّهُمْ لَيْسَتْ قَرَابَتُهُمْ قَرَابَةَ حُرِّيَّةٍ وَلَا تَعْصِيبِيَّةٍ فَأَشْبَهُوا الْأَجَانِبَ.
وَلَنَا، أَنَّهُ ذُو رَحِمٍ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا عَتَقَ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، كَالْوَالِدِينَ، وَالْمَوْلُودِينَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُمْ إذَا كَانَ حُرًّا، فَلَا يَمْلِكُهُ مُكَاتَبًا كَوَالِدَيْهِ، وَلِأَنَّهُمْ نُزِّلُوا مَنْزِلَةَ أَجْزَائِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ بَيْعَهُمْ، كَيَدِهِ. فَإِذَا أَدَّى وَهُمْ فِي مِلْكِهِ، عَتَقُوا؛ لِأَنَّهُ كَمُلَ مِلْكُهُ فِيهِمْ، وَزَالَ تَعَلُّقُ حَقِّ سَيِّدِهِ عَنْهُمْ، فَعَتَقُوا حِينَئِذٍ، وَوَلَاؤُهُمْ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ عَتَقُوا عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِ سَيِّدِهِ عَنْهُ، فَيَكُونُونَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُمْ بَعْدَ عِتْقِهِ. وَإِنْ عَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ، صَارُوا عَبِيدًا لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ مَالِهِ، فَيَصِيرُونَ لِلسَّيِّدِ بِعَجْزِهِ، كَعَبِيدِهِ الْأَجَانِبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute