للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ غَصَبَ شَجَرًا فَأَثْمَرَ]

(٣٩٥٣) فَصْلٌ: وَإِنْ غَصَبَ شَجَرًا فَأَثْمَرَ، فَالثَّمَرُ لِصَاحِبِ الشَّجَرِ. بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَلِأَنَّ الشَّجَرَ عَيْنُ مِلْكِهِ نَمَا وَزَادَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ طَالَتْ أَغْصَانُهُ. وَعَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَرِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ.

وَإِنْ كَانَ رُطَبًا فَصَارَ تَمْرًا، أَوْ عِنَبًا فَصَارَ زَبِيبًا، فَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَأَرْشُ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ، وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ بِعَمَلِهِ فِيهِ، وَلَيْسَ لِلشَّجَرِ أُجْرَةٌ؛ لِأَنَّ أُجْرَتَهَا لَا تَجُوزُ فِي الْعُقُودِ، فَكَذَلِكَ فِي الْغَصْبِ، وَلِأَنَّ نَفْعَ الشَّجَرِ تَرْبِيَةُ الثَّمَرِ وَإِخْرَاجُهُ، وَقَدْ عَادَتْ هَذِهِ الْمَنَافِعُ إلَى الْمَالِكِ. وَلَوْ كَانَتْ مَاشِيَةً، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ وَلَدِهَا إنْ وَلَدَتْ عِنْدَهُ، وَيَضْمَنُ لَبَنَهَا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَيَضْمَنُ أَوْبَارَهَا وَأَشْعَارَهَا بِمِثْلِهِ، كَالْقُطْنِ.

[فَصْلٌ حُكْمُ الْأَرْض الْمَغْصُوبَة فِي جَوَازِ دُخُولِ غَيْرِ الْغَاصِبِ إلَيْهَا]

(٣٩٥٤) فَصْلٌ: وَإِذَا غَصَبَ أَرْضًا، فَحُكْمُهَا فِي جَوَازِ دُخُولِ غَيْرِهِ إلَيْهَا حُكْمُهَا قَبْلَ الْغَصْبِ. فَإِنْ كَانَتْ مُحَوَّطَةً، كَالدَّارِ وَالْبُسْتَانِ الْمُحَوَّطِ، لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِ مَالِكِهَا دُخُولُهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ مَالِكِهَا لَمْ يَزُلْ عَنْهَا، فَلَمْ يَجُزْ دُخُولُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ.

قَالَ أَحْمَدُ، فِي الضَّيْعَةِ تَصِيرُ غَيْضَةً فِيهَا سَمَكٌ: لَا يَصِيدُ فِيهَا أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِهِمْ. وَإِنْ كَانَتْ صَحْرَاءَ، جَازَ الدُّخُولُ فِيهَا وَرَعْيُ حَشِيشِهَا. قَالَ أَحْمَدُ لَا بَأْسَ بِرَعْيِ الْكَلَأِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَلَأَ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ. وَيَتَخَرَّجُ فِي كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصُّورَتَيْنِ مِثْلُ حُكْمِ الْأُخْرَى. قِيَاسًا لَهَا عَلَيْهَا. وَنَقَلَ عَنْهُ الْمَرُّوذِيُّ، فِي رَجُلٍ وَالِدَاهُ فِي دَارٍ طَوَابِيقُهَا غَصْبٌ. لَا يَدْخُلُ عَلَى وَالِدَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ دُخُولَهُ عَلَيْهِمَا تَصَرُّفٌ فِي الطَّوَابِيقِ الْمَغْصُوبَةِ.

وَنَقَلَ عَنْهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، فِي رَجُلٍ لَهُ إخْوَةٌ فِي أَرْضِ غَصْبٍ: يَزُورُهُمْ وَيُرَاوِدُهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ، فَإِنْ أَجَابُوهُ، وَإِلَّا لَمْ يُقِمْ مَعَهُمْ، وَلَا يَدَعُ زِيَارَتَهُمْ. يَعْنِي يَزُورُهُمْ بِحَيْثُ يَأْتِي بَابَ دَارِهِمْ، وَيَتَعَرَّفُ أَخْبَارَهُمْ، وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، وَيُكَلِّمُهُمْ، وَلَا يَدْخُلُ إلَيْهِمْ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ عَنْهُ: أَكْرَهُ الْمَشْيَ عَلَى الْعَبَّارَةِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ.

وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبَّارَةَ وُضِعَتْ لِعُبُورِ الْمَاءِ، لَا لِلْمَشْيِ عَلَيْهَا، وَرُبَّمَا كَانَ الْمَشْيُ عَلَيْهَا يَضُرُّ بِهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَدْفِنُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي أَرْضِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ. وَقَالَ أَحْمَدُ، فِي مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا مِنْ مَوْضِعِ غَصْبٍ، ثُمَّ عَلِمَ: رَجَعَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ، فَرَدَّهُ.

وَرُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: يَطْرَحُهُ. يَعْنِي عَلَى مَنْ ابْتَاعَهُ مِنْهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ قُعُودَهُ فِيهِ حَرَامٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>