تُوجَدَ مِنْ الْمَرْأَةِ رَغْبَةٌ عَنْ زَوْجِهَا، وَحَاجَةٌ إلَى فِرَاقِهِ، فَتَسْأَلَهُ فِرَاقَهَا، فَإِذَا أَجَابَهَا، حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْخُلْعِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ كَانَ بِعِوَضٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا خِلَافَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ الْخُلْعَ مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ، فَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ طَلَاقٌ تُمْلَكُ بِهِ الرَّجْعَةُ، وَلَا يَكُونُ فَسْخًا.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يَكُونُ خُلْعٌ إلَّا بِعِوَضٍ. رَوَى عَنْهُ مُهَنَّا، إذَا قَالَ لَهَا: اخْلَعِي نَفْسَك. فَقَالَتْ: خَلَعْت نَفْسِي. لَمْ يَكُنْ خُلْعًا إلَّا عَلَى شَيْءٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الطَّلَاقَ، فَيَكُونُ مَا نَوَى. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ إلَّا بِعِوَضٍ، فَإِنْ تَلَفَّظَ بِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَنَوَى الطَّلَاقَ، كَانَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ، لَمْ يَكُنْ شَيْئًا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ إنْ كَانَ فَسْخًا، فَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ فَسْخَ النِّكَاحِ إلَّا لِعَيْبِهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: فَسَخْت النِّكَاحَ. وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ، لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَهُ الْعِوَضُ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُعَاوَضَةً، فَلَا يَجْتَمِعُ لَهُ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ.
وَإِنْ قُلْنَا: الْخُلْعُ طَلَاقٌ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ، وَالْكِنَايَةُ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِنِيَّةٍ، أَوْ بَذْلِ الْعِوَضِ، فَيَقُومُ مَقَامَ النِّيَّةِ، وَمَا وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. ثُمَّ إنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِعِوَضٍ، لَمْ يَقْتَضِ الْبَيْنُونَةَ إلَّا أَنْ تَكْمُلَ الثَّلَاثُ.
[فَصْلٌ قَالَتْ بِعْنِي عَبْدَك هَذَا وَطَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ]
(٥٧٧٠) فَصْلٌ: إذَا قَالَتْ: بِعْنِي عَبْدَك هَذَا وَطَلِّقْنِي بِأَلْفٍ. فَفَعَلَ، صَحَّ، وَكَانَ بَيْعًا وَخُلْعًا بِعِوَضٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ، يَصِحُّ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعِوَضٍ، فَصَحَّ جَمْعُهُمَا، كَبَيْعِ ثَوْبَيْنِ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ بَيْعٍ وَصَرْفٍ، أَنَّهُ يَصِحُّ، وَهُوَ نَظِيرٌ لِهَذَا. وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِيهِ وَجْهًا آخَرَ، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْعَقْدَيْنِ تَخْتَلِفُ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ أَيْضًا. فَعَلَى قَوْلِنَا يَتَقَسَّطُ الْأَلْفُ عَلَى الصَّدَاقِ الْمُسَمَّى وَقِيمَةِ الْعَبْدِ، فَيَكُونُ عِوَضُ الْخُلْعِ مَا يَخُصُّ الْمُسَمَّى، وَعِوَضُ الْعَبْدِ مَا يَخُصُّ قِيمَتَهُ، حَتَّى لَوْ رَدَّتْهُ بِعَيْبٍ رَجَعَتْ بِذَلِكَ، وَإِنْ وَجَدَتْهُ حُرًّا أَوْ مَغْصُوبًا، رَجَعَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُهُ. فَإِنْ كَانَ مَكَانَ الْعَبْدِ شِقْصٌ مَشْفُوعٌ، فَفِيهِ الشُّفْعَةُ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِحِصَّةِ قِيمَتِهِ مِنْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهَا عِوَضُهُ.
[فَصْل خَالَعَهَا عَلَى نِصْفِ دَارٍ]
(٥٧٧١) فَصْلٌ: وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى نِصْفِ دَارٍ، صَحَّ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ، وَيَتَخَرَّجُ أَنَّ فِيهِ شُفْعَةً، لِأَنَّ لَهُ عِوَضًا. وَهَلْ يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ أَوْ بِمِثْلِ الْمَهْرِ، عَلَى وَجْهَيْنِ: فَأَمَّا إنْ خَالَعَهَا، وَدَفَعَ إلَيْهَا أَلْفًا بِنِصْفِ دَارِهَا، صَحَّ، وَلَا شُفْعَةَ أَيْضًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيمَا قَابَلَ الْأَلْفَ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ مَالٍ وَلَنَا، أَنَّ إيجَابَ الشُّفْعَةِ تَقْوِيمٌ لِلْبُضْعِ فِي حَقِّ غَيْرِ الزَّوْجِ، وَالْبُضْعُ لَا يَتَقَوَّمُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute