للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصَرَفَ وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ.» وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَلَنَا، مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ. وَفِعْلُ أَنَسٍ قَالَ أَحْمَدُ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ صَلَّى أَنَسٌ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى سَرَابِيطَ. فِي يَوْمِ مَطَرٍ الْمَكْتُوبَةَ عَلَى الدَّابَّةِ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ، وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ غَيْرِهِ خِلَافُهُ، فَيَكُونَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ الْمَطَرَ عُذْرٌ يُبِيحُ الْجَمْعَ، فَأَثَّرَ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ كَالسَّفَرِ يُؤَثِّرُ فِي الْقَصْرِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الطِّينَ كَانَ يَسِيرًا لَا يُؤَثِّرُ فِي تَلْوِيثِ الثِّيَابِ.

[فَصْلٌ الصَّلَاةُ عَلَى الرَّاحِلَة]

(٨٣٢) فَصْلٌ: فَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِأَجْلِ الْمَرَضِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، يَجُوزُ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ بِالنُّزُولِ فِي الْمَرَضِ أَشَدُّ مِنْهَا بِالنُّزُولِ فِي الْمَطَرِ، فَإِذَا أَثَّرَ الْمَطَرُ فِي إبَاحَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَالْمَرَضُ أَوْلَى.

وَالثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَاحْتَجَّ لَهَا أَحْمَدُ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُنْزِلُ مَرْضَاهُ، وَلِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الصَّلَاةِ أَوْ عَلَى السُّجُودِ، فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ كَغَيْرِ الْمَرَضِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَطَرِ، أَنَّ النُّزُولَ فِي الْمَطَرِ يُبَلِّلُ ثِيَابَهُ وَيُلَوِّثُهَا، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْمَشَقَّةِ، وَنُزُولَ الْمَرِيضِ يُؤَثِّرُ فِي حُصُولِهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ أَسْكَنُ لَهُ وَأَمْكَنُ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى الظَّهْرِ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الْمَشَقَّةِ، فَالْمَشَقَّةُ عَلَى الْمَرِيضِ فِي نَفْسِ جِهَةِ النُّزُولِ، لَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْأَرْضِ، وَالْمَشَقَّةُ عَلَى الْمَمْطُورِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْأَرْضِ، لَا فِي النُّزُولِ. وَمَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ لَا يَصِحُّ الْإِلْحَاقُ، فَإِنْ خَافَ الْمَرِيضُ مِنْ النُّزُولِ ضَرَرًا غَيْرَ مُحْتَمَلٍ، كَالِانْقِطَاعِ عَنْ الرُّفْقَةِ، أَوْ الْعَجْزِ عَنْ الرُّكُوبِ، أَوْ زِيَادَةِ الْمَرَضِ، وَنَحْوِ هَذَا، صَلَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ

[فَصْلٌ صَلَّى عَلَى الرَّاحِلَة لِمَرَضِ أَوْ مَطَرٍ]

(٨٣٣) فَصْلٌ: وَمَتَى صَلَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ لِمَرَضٍ أَوْ مَطَرٍ، فَلَيْسَ لَهُ تَرْكُ الِاسْتِقْبَالِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُصَلِّي فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ فَرْضًا وَلَا نَافِلَةً، إلَّا مُتَوَجِّهًا إلَى الْكَعْبَةِ، وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٤٤] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ] عَامٌّ، خَرَجَ مِنْهُ حَالُ الْخَوْفِ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ، مُحَافَظَةً عَلَى بَقَاءِ النَّفْسِ، فَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى الِاسْتِقْبَالُ لِعُمُومِ الْآيَةِ.

[مَسْأَلَة إذَا انْكَشَفَ مِنْ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ شَيْءٌ سِوَى وَجْهِهَا أَعَادَتْ الصَّلَاةَ]

(٨٣٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَإِذَا انْكَشَفَ مِنْ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ شَيْءٌ سِوَى وَجْهِهَا، أَعَادَتْ الصَّلَاةَ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ كَشْفُ وَجْهِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا كَشْفُ مَا عَدَا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا، وَفِي الْكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ؛ فَأَجْمَعَ أَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ مَكْشُوفَةَ الْوَجْهِ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَنْ تُخَمِّرَ رَأْسَهَا إذَا صَلَّتْ، وَعَلَى أَنَّهَا إذَا صَلَّتْ وَجَمِيعُ رَأْسِهَا مَكْشُوفٌ أَنَّ عَلَيْهَا الْإِعَادَةَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْقَدَمَانِ لَيْسَا مِنْ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَظْهَرَانِ غَالِبًا، فَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>