ثُلُثَاهُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بَاشَرُوهُ بِالْإِعْتَاقِ. وَكَذَلِكَ لَوْ تَبَرَّعَ بِثُلُثِ مَالِهِ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَ، أَوْ وَصَّى بِالْإِعْتَاقِ، فَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ أَوْصَى لِابْنِ وَارِثِهِ بَعْدَ تَبَرُّعِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ، أَوْ أَعْطَاهُ عَطِيَّةً فِي مَرَضِهِ، فَأَجَازَ أَبُوهُ وَصِيَّتَهُ وَعَطِيَّتَهُ، ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ فِيمَا أَجَازَهُ، فَلَهُ ذَلِكَ إنْ قُلْنَا: هِيَ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ. وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا إجَازَةٌ مُجَرَّدَةٌ. وَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ ابْنَةَ عَمِّهِ، فَأَوْصَتْ لَهُ بِوَصِيَّةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا، ثُمَّ مَاتَتْ وَخَلَّفَتْهُ وَأَبَاهُ، فَأَجَازَ أَبُوهُ وَصِيَّتَهُ وَعَطِيَّتَهُ، فَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ وَقَفَ فِي مَرَضِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ، فَأَجَازُوا الْوَقْفَ، صَحَّ إنْ قُلْنَا: إجَازَتُهُمْ تَنْفِيذٌ. وَلَمْ يَصِحَّ إنْ قُلْنَا: هِيَ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ. وَلِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ وَاقِفِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَلَا فَرْقَ فِي الْوَصِيَّةِ بَيْن الْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ، وَقَدْ رَوَى حَنْبَلٌ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: إنْ أَوْصَى فِي الْمَرَضِ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ بِمَا شَاءَ. يَعْنِي بِهِ الْعَطِيَّةَ. قَالَهُ الْقَاضِي. أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَإِنَّهَا عَطِيَّةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَجُوزُ مِنْهَا إلَّا الثُّلُثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
[فَصْلٌ لَا يُعْتَبَرُ رَدُّ الْوَصِيَّةِ وَإِجَازَتُهَا إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي]
(٤٦٠٦) فَصْلٌ: وَلَا يُعْتَبَرُ الرَّدُّ وَالْإِجَازَةُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَلَوْ أَجَازُوا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ رَدُّوا، أَوْ أَذِنُوا لِمَوْرُوثِهِمْ فِي حَيَاتِهِ بِالْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ الْمَالِ، أَوْ بِالْوَصِيَّةِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُمْ فَرَدُّوا بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَلَهُمْ الرَّدُّ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَازَةُ فِي صِحَّةِ الْمُوصِي أَوْ مَرَضِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَكَمِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى، وَالزُّهْرِيُّ، وَرَبِيعَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْوَرَثَةِ، فَإِذَا رَضُوا بِتَرْكِهِ سَقَطَ حَقُّهُمْ، كَمَا لَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَذِنُوا لَهُ فِي صِحَّتِهِ، فَلَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ، وَحِينَ يُحْجَبُ عَنْ مَالِهِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهِمْ. وَلَنَا، أَنَّهُمْ أَسْقَطُوا حُقُوقَهُمْ فِيمَا لَمْ يَمْلِكُوهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُمْ، كَالْمَرْأَةِ إذَا أَسْقَطَتْ صَدَاقَهَا قَبْلَ النِّكَاحِ، أَوْ أَسْقَطَ الشَّفِيعُ حَقَّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَلِأَنَّهَا حَالَةٌ لَا يَصِحُّ فِيهَا رَدُّهُمْ لِلْوَصِيَّةِ، فَلَمْ يَصِحَّ فِيهَا إجَازَتُهُمْ، كَمَا قَبْلَ الْوَصِيَّةِ.
[فَصْلٌ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَأَجَازَ الْوَارِثُ]
(٤٦٠٧) فَصْلٌ: وَإِذَا أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، فَأَجَازَ الْوَارِثُ الْوَصِيَّةَ، وَقَالَ: إنَّمَا أَجَزْتهَا ظَنًّا أَنَّ الْمَالَ قَلِيلٌ، فَبَانَ كَثِيرًا. فَإِنْ كَانَتْ لِلْمُوصِي بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِاعْتِرَافِهِ بِمَعْرِفَةِ قَدْرِ الْمَالِ، أَوْ كَانَ الْمَالُ ظَاهِرًا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْإِجَازَةُ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ. فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ فِي مِثْلِهِ. وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِاعْتِرَافِهِ بِذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَنَزَّلَتْ مَنْزِلَةَ الْإِبْرَاءِ، فَلَا يَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute