[مَسْأَلَةٌ تَعْلِف فَضْلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ]
(٧٥٥٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ تَعَلَّفَ فَضْلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، رَدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ بَاعَهُ، رَدَّ ثَمَنَهُ فِي الْمُقْسِم) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ، إلَّا مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ، عَلَى أَنَّ لِلْغُزَاةِ إذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْحَرْبِ، أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا وَجَدُوا مِنْ الطَّعَامِ، وَيَعْلِفُوا دَوَابَّهُمْ مِنْ أَعْلَافِهِمْ؛ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْقَاسِمُ، وَسَالِمٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى: لَا يُتْرَكُ إلَّا أَنْ يَنْهَى عَنْهُ الْإِمَامُ، فَيُتَّقَى نَهْيُهُ. وَلَنَا، مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيه، ثُمَّ يَنْصَرِفُ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَأَبُو دَاوُد،
وَرُوِيَ أَنَّ صَاحِبَ جَيْشِ الشَّامِ، كَتَبَ إلَى عُمَرَ: إنَّا أَصَبْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ، وَكَرِهْت أَنْ أَتَقَدَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. فَكَتَبَ إلَيْهِ: دَعْ النَّاسَ يَعْلِفُونَ وَيَأْكُلُونَ، فَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَفِيهِ خُمْسُ اللَّهِ وَسِهَامُ الْمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، قَالَ: «دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَالْتَزَمْته، وَقُلْت: وَاَللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا. فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْحَكُ، فَاسْتَحْيَيْت مِنْهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى هَذَا، وَفِي الْمَنْعِ مِنْهُ مَضَرَّةٌ بِالْجَيْشِ وَبِدَوَابِّهِمْ، فَإِنَّهُ يَعْسُرُ عَلَيْهِمْ نَقْلُ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَجِدُونَ بِدَارِ الْحَرْبِ مَا يَشْتَرُونَهُ، وَلَوْ وَجَدُوهُ لَمْ يَجِدُوا ثَمَنَهُ، وَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ مَا يَأْخُذُهُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ، وَلَوْ قُسِمَ لَمْ يَحْصُلْ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ شَيْءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَلَا يَدْفَعُ بِهِ حَاجَتَهُ، فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ ذَلِكَ، فَمَنْ أَخَذَ مِنْ الطَّعَامِ شَيْئًا مِمَّا يَقْتَاتُ أَوْ يَصْلُحُ بِهِ الْقُوتُ، مِنْ الْأُدْمِ وَغَيْرِهِ، أَوْ الْعَلَفِ لِدَابَّتِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَيَكُونُ أَحَقَّ بِمَا يَأْخُذُهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ مَا لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ، رَدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ.
وَإِنْ أَعْطَاهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَيْشِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، جَازَ لَهُ أَخْذُهُ، وَصَارَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَإِنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ أَوْ الْعَلَفِ، رَدَّ ثَمَنَهُ فِي الْغَنِيمَةِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ فُضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ. وَبِهِ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ.
وَكَرِهَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَمَالِكٌ بَيْعَهُ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يَخْلُو؛ إمَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَازٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ بَاعَهُ لِغَيْرِهِ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَالِ الْغَنِيمَةِ بِغَيْرِ وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ، فَيَجِبُ رَدُّ الْمَبِيعِ، وَنَقْضُ الْبَيْعِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ، رَدَّ قِيمَتَهُ، أَوْ ثَمَنَهُ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ إلَى الْمَغْنَمِ.
وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ، كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَإِنْ بَاعَهُ لِغَازٍ، لَمْ يَحِلَّ، إلَّا أَنْ يُبْدِلَهُ بِطَعَامٍ أَوْ عَلَفٍ مِمَّا لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ بَاعَهُ بِمِثْلِهِ، فَلَيْسَ هَذَا بَيْعًا فِي الْحَقِيقَةِ، إنَّمَا سَلَّمَ إلَيْهِ مُبَاحًا، وَأَخَذَ مِثْلَهُ مُبَاحًا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute