للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْحُجْرَتَيْنِ الْمُتَجَاوِرَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنهمَا بَابٌ مُغْلَقٌ، لَكِنَّ لَهَا مَوْضِعٌ تَتَسَتَّرُ فِيهِ، بِحَيْثُ لَا يَرَاهَا، وَمَعَهَا مَحْرَمٌ تَتَحَفَّظُ بِهِ، جَازَ؛ لِأَنَّ مَعَ الْمُحْرِمِ يُؤْمَنُ الْفَسَادُ، وَيُكْرَهُ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ النَّظَرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَحْرَمٌ، لَمْ يَجُزْ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَتْ لَهُ بِمَحْرَمٍ؛ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ إسْكَانِهَا، وَكَانَتْ مِمَّنْ لَهَا عَلَيْهِ السُّكْنَى، أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ مَعْدُومًا، رَجَعَتْ عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ مَوْجُودًا، فَهَلْ تَرْجِعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا، وَلَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ الْمَسْكَنِ، فَاكْتَرَتْ لِنَفْسِهَا مَوْضِعًا، أَوْ سَكَنَتْ فِي مَوْضِعٍ تَمْلِكُهُ، لَمْ تَرْجِعْ بِالْأُجْرَةِ لِأَنَّهَا تَبَرَّعَتْ بِذَلِكَ فَلَمْ تَرْجِعْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ.

وَإِنَّ عَجَزَ الزَّوْجُ عَنْ إسْكَانِهَا؛ لِعُسْرَتِهِ، أَوْ غَيْبَتِهِ، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَعَ قُدْرَتِهِ؛ سَكَنَتْ حَيْثُ شَاءَتْ. وَكَذَلِكَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، إذَا لَمْ يُسْكِنْهَا وَرَثَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَلْزَمُهَا السُّكْنَى فِي مَنْزِلِهِ لِتَحْصِينِ مَائِهِ، فَإِذَا لَمْ تَفْعَلْ، لَمْ يَلْزَمْهَا ذَلِكَ.

[مَسْأَلَةٌ خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ إلَى الْحَجِّ فَتُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ بِالْقُرْبِ]

(٦٤٠٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا خَرَجَتْ إلَى الْحَجِّ فَتُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَهِيَ بِالْقُرْبِ، رَجَعَتْ لِتَقْضِيَ الْعِدَّةَ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَبَاعَدَتْ، مَضَتْ فِي سَفَرِهَا، فَإِنْ رَجَعَتْ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا شَيْءٌ، أَتَتْ بِهِ فِي مَنْزِلِهَا) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ الْوَفَاةِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَى الْحَجِّ، وَلَا إلَى غَيْرِهِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَالثَّوْرِيُّ.

وَإِنْ خَرَجَتْ، فَمَاتَ زَوْجُهَا فِي الطَّرِيقِ، رَجَعَتْ إنْ كَانَتْ قَرِيبَةً؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ، مَضَتْ فِي سَفَرِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: تُرَدُّ مَا لَمْ تُحْرِمْ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْبَعِيدَةَ لَا تُرَدُّ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهَا، وَعَلَيْهَا مَشَقَّةٌ، وَلَا لَهَا مِنْ سَفَرٍ وَإِنْ رَجَعَتْ. قَالَ الْقَاضِي: يَنْبَغِي أَنْ يُحَدَّ الْقَرِيبُ بِمَا لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَالْبَعِيدُ مَا تُقْصَرُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِيهِ أَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْحَضَرِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَرَى الْقَصْرَ إلَّا فِي مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. فَقَالَ: مَتَى كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْكَنِهَا دُونِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَعَلَيْهَا الرُّجُوعُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ لَزِمَهَا الْمُضِيُّ إلَى مَقْصِدِهَا، وَالِاعْتِدَادُ فِيهِ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَفِي مَوْضِعِهَا الَّذِي هِيَ بِهِ مَوْضِعٌ يُمْكِنُهَا الْإِقَامَةُ فِيهِ، لَزِمَهَا الْإِقَامَةُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا الْإِقَامَةُ، مَضَتْ إلَى مَقْصِدِهَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ فَارَقَتْ الْبُنْيَانَ، فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ الرُّجُوعِ وَالتَّمَامِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي مَوْضِعٍ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا فِيهِ، وَهُوَ السَّفَرُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ قَدْ بَعُدَتْ. وَلَنَا، عَلَى وُجُوبِ الرُّجُوعِ إذَا كَانَتْ قَرِيبَةً، مَا رَوَى سَعِيدٌ، ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>