للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقِيلَ: لَهُ وَطْؤُهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا يَشْغَلُهَا الْوَطْءُ عَنْ السَّعْيِ عَمَّا هِيَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ يَمِينِهِ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المعارج: ٣٠] .

وَلَنَا، أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ أَزَالَ مِلْكَ اسْتِخْدَامِهَا، وَمِلْكَ عِوَضِ مَنْفَعَةِ بُضْعِهَا فِيمَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، فَأَزَالَ حِلَّ وَطْئِهَا، كَالْبَيْعِ، وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالْمُزَوَّجَةِ، فَنَقِيسُ عَلَيْهَا مَحَلَّ النِّزَاعِ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ هَاهُنَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَالَ عَنْ مَنَافِعِهَا، جُمْلَةً، وَلِهَذَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، كَانَ الْمَهْرُ لَهَا، وَتُفَارِقُ أُمُّ الْوَلَدِ؛ فَإِنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَزُولُ بِمَوْتِهِ فَأَشْبَهَتْ الْمُدَبَّرَةَ وَالْمُوصَى بِهَا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ الْعِتْقَ بِمَوْتِهِ اسْتِحْقَاقًا لَازِمًا، لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ. (٨٧٤٥)

الْفَصْلُ الثَّانِي: إذَا شَرَطَ وَطْأَهَا، فَلَهُ ذَلِكَ. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. وَقَالَ سَائِرُ مَنْ ذَكَرْنَا: لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ مَعَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ بِالشَّرْطِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا شَرَطَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ، فَسَدَ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ، فَأَفْسَدَ الْعَقْدَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ عِوَضًا فَاسِدًا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِرُكْنِ الْعَقْدِ، وَلَا شَرْطِهِ، فَلَمْ يُفْسِدْهُ، كَالصَّحِيحِ.

وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . وَلِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ، لَهُ شَرْطُ نَفْعِهَا، فَصَحَّ، كَشَرْطِ اسْتِخْدَامِهَا، يُحَقِّقُ هَذَا أَنَّ مَنْعَهُ مِنْ وَطْئِهَا مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا، وَوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِحِلِّ وَطْئِهَا، إنَّمَا كَانَ لِحَقِّهَا، فَإِذَا شَرَطَهُ عَلَيْهَا، جَازَ، كَالْخِدْمَةِ، وَلِأَنَّهُ اُسْتُثْنِيَ بَعْضُ مَا كَانَ لَهُ، فَصَحَّ، كَاشْتِرَاطِ الْخِدْمَةِ، وَفَارَقَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْهَا.

[فَصْلٌ وَطِئَ الْمُكَاتَبَةَ مَعَ الشَّرْطِ]

(٨٧٤٦) فَصْلٌ: فَإِنْ وَطِئَهَا مَعَ الشَّرْطِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا تَعْزِيرَ وَلَا مَهْرَ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَمْلِكُهُ، وَيُبَاحُ لَهُ، فَأَشْبَهَ وَطْأَهَا قَبْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>