وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَقُومُ بِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَتَعَاهُدِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ رَضِيَ الْجِيرَانُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، قُدِّمَ بِذَلِكَ. وَلَا يُقَدَّمُ بِحُسْنِ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْإِمَامَةِ، وَلَا أَثَرَ لَهُ فِيهَا، وَهَذَا كُلُّهُ تَقْدِيمُ اسْتِحْبَابٍ، لَا تَقْدِيمُ اشْتِرَاطٍ، وَلَا إيجَابٍ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، فَلَوْ قُدِّمَ الْمَفْضُولُ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِهَذَا أَمْرُ أَدَبٍ وَاسْتِحْبَابٍ.
[مَسْأَلَةٌ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُعْلِنُ بِبِدْعَةٍ أَوْ يَسْكَرُ]
(١١٢١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُعْلِنُ بِبِدْعَةٍ، أَوْ يَسْكَرُ، أَعَادَ) . الْإِعْلَانُ الْإِظْهَارُ، وَهُوَ ضِدُّ الْإِسْرَارِ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ مَنْ ائْتَمَّ بِمَنْ يُظْهِرُ بِدْعَتَهُ، وَيَتَكَلَّمُ بِهَا، وَيَدْعُو إلَيْهَا، أَوْ يُنَاظِرُ عَلَيْهَا، فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. وَمَنْ لَمْ يُظْهِرْ بِدْعَتَهُ، فَلَا إعَادَةَ عَلَى الْمُؤْتَمِّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَقِدًا لَهَا. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الرَّافِضَةُ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِمَا تَعْرِفُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، آمُرُهُ أَنْ يُعِيدَ. قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: وَهَكَذَا أَهْلُ الْبِدَعِ كُلُّهُمْ؟ قَالَ: لَا، إنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَسْكُتُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ وَلَا يَتَكَلَّمُ. وَقَالَ: لَا تُصَلِّ خَلْفَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، إذَا كَانَ دَاعِيَةً إلَى هَوَاهُ.
وَقَالَ: لَا تُصَلِّ خَلْفَ الْمُرْجِئِ إذَا كَانَ دَاعِيَةً. وَتَخْصِيصُهُ الدَّاعِيَةَ، وَمَنْ يَتَكَلَّمُ بِالْإِعَادَةِ، دُونَ مَنْ يَقِفُ وَلَا يَتَكَلَّمُ، يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْمُعْلِنُ بِالْبِدْعَةِ مَنْ يَعْتَقِدُهَا بِدَلِيلٍ، وَغَيْرُ الْمُعْلِنِ مَنْ يَعْتَقِدُهَا تَقْلِيدًا. وَلَنَا، أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِعْلَانِ هُوَ الْإِظْهَارُ، وَهُوَ ضِدُّ الْإِخْفَاءِ وَالْإِسْرَارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [التغابن: ٤] وَقَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ إبْرَاهِيمَ: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ} [إبراهيم: ٣٨] وَلِأَنَّ الْمُظْهِرَ لِبِدْعَتِهِ لَا عُذْرَ لِلْمُصَلِّي خَلْفَهُ - لِظُهُورِ حَالِهِ -، وَالْمُخْفِيَ لَهَا مَنْ يُصَلِّي خَلْفَهُ مَعْذُورٌ، وَهَذَا لَهُ أَثَرٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ خَلْفَ الْمُحْدِثِ وَالنَّجِسِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُمَا؛ لِخَفَاءِ ذَلِكَ وَمِنْهُمَا وَوَجَبَتْ عَلَى الْمُصَلِّي خَلْفَ الْكَافِرِ وَالْأُمِّيِّ، لِظُهُورِ حَالِهِمَا غَالِبًا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَا يُصَلَّى خَلْفَ مُبْتَدِعٍ بِحَالٍ. قَالَ، فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: لَا يُصَلِّي خَلْفَ مُرْجِئٍ وَلَا رَافِضِيٍّ، وَلَا فَاسِقٍ، إلَّا أَنْ يَخَافَهُمْ فَيُصَلِّيَ، ثُمَّ يُعِيدَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد، قَالَ أَحْمَدُ: مَتَى مَا صَلَّيْت خَلْفَ مَنْ يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَأَعِدْ. قُلْت: وَتَعْرِفُهُ. قَالَ: نَعَمْ. وَعَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ لَا يُصَلَّى خَلْفَ أَهْلِ الْبِدَعِ. فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مُبْتَدِعٍ مُعْلِنٍ بِبِدْعَتِهِ، فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ.
وَمَنْ لَمْ يُعْلِنْهَا فَفِي الْإِعَادَةِ خَلْفَهُ رِوَايَتَانِ. وَأَبَاحَ الْحَسَنُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَالشَّافِعِيُّ الصَّلَاةَ خَلْفَ أَهْلِ الْبِدَعِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا خَلْفَ مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ.» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَلِأَنَّهُ رَجُلٌ صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute