فِي الدِّينِ وَالْعَبْدِ، بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ، فَإِذَا وَرِثَ الْحَمْلُ، فَالْوَصِيَّةُ لَهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِخَطَرٍ وَغَرَرٍ، فَتَصِحُّ لِلْحَمْلِ، كَالْعِتْقِ. فَإِنْ انْفَصَلَ الْحَمْلُ مَيِّتًا، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ، وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ حَيًّا حِينَ الْوَصِيَّةِ، فَلَا تَثْبُتُ لَهُ الْوَصِيَّةُ وَالْمِيرَاثُ بِالشَّكِّ. وَسَوَاءٌ مَاتَ لِعَارِضٍ، مِنْ ضَرْبِ الْبَطْنِ، أَوْ ضَرْبِ دَوَاءٍ، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّهُ لَا يَرِثُ. وَإِنْ وَضَعَتْهُ حَيًّا، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، لَهُ إذَا حَكَمْنَا بِوُجُودِهِ حَالَ الْوَصِيَّةِ. نَقَلَ الْخِرَقِيِّ، إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَلَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي كُلِّ حَالٍ، لَكِنْ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ يَطَؤُهَا، فَأَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَ، عَلِمْنَا وُجُودَهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهَا، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لَهُ؛ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ. وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا فَأَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ حِينِ الْفُرْقَةِ، وَأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوَصِيَّةِ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُعْلَمُ وُجُودُهُ إذَا كَانَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَيُحْكَمُ بِوُجُودِهِ إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ حِينِ الْفُرْقَةِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَإِنْ وَصَّى لِحَمْلِ امْرَأَةٍ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ، مَعَ اشْتِرَاطِ إلْحَاقِهِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُنْتَفِيًا بِاللِّعَانِ، أَوْ دَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لَهُ؛ لِعَدَمِ نَسَبِهِ الْمَشْرُوطِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا؛ لِكَوْنِهِ غَائِبًا فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ، أَوْ مَرِيضًا مَرَضًا يَمْنَعُ الْوَطْءَ، أَوْ كَانَ أَسِيرًا أَوْ مَحْبُوسًا، أَوْ عَلِمَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا وَأَقَرُّوا بِذَلِكَ، فَإِنَّ أَصْحَابَنَا لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ هَذِهِ الصُّوَرِ وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ يَطَؤُهَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَفْتَرِقَا فِي لُحُوقِ النَّسَبِ بِالزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ، فَكَانَتْ فِي حُكْمِ مَنْ يَطَؤُهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَتَى أَتَتْ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، لِوَقْتٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ، مِثْلُ أَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ غَالِبِ مُدَّةِ الْحَمْلِ، أَوْ تَكُونَ أَمَارَاتُ الْحَمْلِ ظَاهِرَةً، أَوْ أَتَتْ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا بِأَمَارَاتِ الْحَمْلِ، بِحَيْثُ يُحْكَمُ لَهَا بِكَوْنِهَا حَامِلًا، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْحَمْلِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْحُكْمِ، وَقَدْ انْتَفَتْ أَسْبَابُ حُدُوثِهِ ظَاهِرًا، فَيَنْبَغِي أَنْ نُثْبِتَ لَهُ الْوَصِيَّةَ، وَالْحُكْمُ بِإِلْحَاقِهِ بِالزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ إنَّمَا كَانَ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ، فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ النَّسَبِ بِمُطْلَقِ الِاحْتِمَالِ، نَفْيُ اسْتِحْقَاقِ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاطُ لِإِبْطَالِ الْوَصِيَّةِ، كَمَا يُحْتَاطُ لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ، فَلَا يَلْزَمُ إلْحَاقُ مَا لَا يُحْتَاطُ لَهُ بِمَا يُحْتَاطُ لَهُ مَعَ ظُهُورِ مَا يُثْبِتُهُ وَيُصَحِّحُهُ.
[فَصْلٌ وَصَّى بِالْحَمْلِ الْمَوْجُودِ]
(٤٦٦٤) فَصْلٌ: وَإِنْ وَصَّى بِأَصْلِ الْمَوْجُودِ، اُعْتُبِرَ وُجُودُهُ كَمَا فِي حَمْلِ الْأَمَةِ بِمَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْحَمْلِ الْمُوصَى لَهُ. وَإِنْ كَانَ حَمْلَ بَهِيمَةٍ، اُعْتُبِرَ وُجُودُهُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ وُجُودُهُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute