للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ مِثْلِهِ، وَلَيْسَ رِعَايَةُ حَقِّ الْجَالِسِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ حَقِّ الْمُتَلَقِّي وَلَا يُمْكِنُ اشْتِرَاكُ أَهْلِ السُّوقِ كُلِّهِمْ فِي سِلْعَتِهِ، فَلَا يُعَرَّجُ عَلَى مِثْلِ هَذَا. وَاَللَّه أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ تَلْقَى الرَّكْبَانِ فَبَاعَهُمْ شَيْئًا]

(٣١٠٨) فَصْلٌ: فَإِنْ تَلَقَّى الرُّكْبَانَ، فَبَاعَهُمْ شَيْئًا، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ، وَلَهُمْ الْخِيَارُ إذَا غَبَنَهُمْ غَبْنَا يَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالُوا فِي الْآخَرِ: النَّهْيُ عَنْ الشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ، فَلَا يَدْخُلُ الْبَيْعُ فِيهِ. وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ أَصْحَابِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ لَهُمْ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ.» وَالْبَائِعُ دَاخِلٌ فِي هَذَا. وَلِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ خَدِيعَتِهِمْ وَغَبَنِهِمْ، وَهَذَا فِي الْبَيْعِ كَهُوَ فِي الشِّرَاءِ، وَالْحَدِيثُ قَدْ جَاءَ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ مُخْتَصًّا بِالشِّرَاءِ لَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ.

[فَصْلٌ خَرَجَ لِغَيْرِ قَصْد التَّلَقِّي فَلَقِيَ رَكِّبَا فَبَاعَ لَهُ]

(٣١٠٩) فَصْلٌ: فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ قَصْدِ التَّلَقِّي، فَلَقِيَ رَكْبًا، فَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ الِابْتِيَاعُ مِنْهُمْ، وَلَا الشِّرَاءُ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التَّلَقِّي، فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّهْيُ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ التَّلَقِّي دَفْعًا لِلْخَدِيعَةِ وَالْغَبْنِ عَنْهُمْ، وَهَذَا مُتَحَقِّقٌ، سَوَاءٌ قَصَدَ التَّلَقِّي، أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ، فَوَجَبَ الْمَنْعُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ قَصَدَ.

[فَصْلٌ تَلْقَى الْجَلْب فِي أَعْلَى الْأَسْوَاق]

(٣١١٠) فَصْلٌ: وَإِنْ تَلَقَّى الْجَلَبَ فِي أَعْلَى الْأَسْوَاقِ، فَلَا بَأْسَ فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُتَلَقَّى السِّلَعُ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا الْأَسْوَاقُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّهُ إذَا صَارَ فِي السُّوقِ، فَقَدْ صَارَ فِي مَحَلِّ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ، كَاَلَّذِي وَصَلَ إلَى وَسَطِهَا.

[فَصْلٌ فِي الِاحْتِكَار]

(٣١١١) فَصْلٌ: وَالِاحْتِكَارُ حَرَامٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْأَثْرَمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحْتَكَرَ الطَّعَامُ» وَرُوِيَ أَيْضًا، بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ» . وَرُوِيَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَرَجَ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَرَأَى طَعَامًا كَثِيرًا قَدْ أُلْقِيَ عَلَى بَابِ مَكَّةَ، فَقَالَ: مَا هَذَا الطَّعَامُ؟ فَقَالُوا: جُلِبَ إلَيْنَا. فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ، وَفِي مَنْ جَلَبَهُ. فَقِيلَ لَهُ: فَأَنَّهُ قَدْ اُحْتُكِرَ. قَالَ: وَمَنْ احْتَكَرَهُ؟ قَالُوا: فُلَانٌ مَوْلَى عُثْمَانَ، وَفُلَانٌ مَوْلَاك. فَأَرْسَلَ إلَيْهِمَا. فَقَالَ: مَا حَمَلَكُمَا عَلَى احْتِكَارِ طَعَامِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَا: نَشْتَرِي بِأَمْوَالِنَا وَنَبِيعُ. قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَنْ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ، لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَضْرِبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ أَوْ الْإِفْلَاسِ» قَالَ الرَّاوِي: فَأَمَّا مَوْلَى عُثْمَانَ فَبَاعَهُ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَحْتَكِرُهُ أَبَدًا وَأَمَّا مَوْلَى عُمَرَ فَلَمْ يَبِعْهُ، فَرَأَيْته

<<  <  ج: ص:  >  >>