السَّابِعَةُ، فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ، فَفَارَقَهُ، نَظَرْت؛ فَإِنْ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ، فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ، وَإِنْ لَمْ يُلْزِمْهُ مُفَارَقَتَهُ، لَكِنَّهُ فَارَقَهُ لِعِلْمِهِ بِوُجُوبِ مُفَارَقَتِهِ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ، فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَصَلَّاهَا.
الثَّامِنَةُ، أَحَالَهُ الْغَرِيمُ بِحَقِّهِ، فَفَارَقَهُ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ: لَا يَحْنَثُ. لِأَنَّهُ قَدْ بَرِئَ إلَيْهِ مِنْهُ وَلَنَا، أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ مِنْهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ شَيْءٌ، وَلِذَلِكَ يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ، فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ لَمْ يُحِلْهُ. فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ بَرَّ بِذَلِكَ، فَفَارَقَهُ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ هَذَا جَهْلٌ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فِيهِ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحِنْثُ، كَمَا لَوْ جَهِلَ كَوْنَ هَذِهِ الْيَمِينِ مُوجِبَةً لِلْكَفَّارَةِ.
فَأَمَّا إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ: لَا فَارَقْتُك وَلِي قِبَلَك حَقٌّ. فَأَحَالَهُ بِهِ، فَفَارَقَهُ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ. وَإِنْ أَخَذَ بِهِ ضَمِينًا أَوْ كَفِيلًا أَوْ رَهْنًا، فَفَارَقَهُ، حَنِثَ، بِلَا إشْكَالٍ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مُطَالَبَةَ الْغَرِيمِ. التَّاسِعَةُ، قَضَاهُ عَنْ حَقِّهِ عِوَضًا عَنْهُ، ثُمَّ فَارَقَهُ. فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ. حَقَّهُ وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْهُ بِالْقَضَاءِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ، وَهَذَا بَدَلُهُ. وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ: لَا فَارَقْتُك حَتَّى تَبْرَأَ مِنْ حَقِّي، أَوْ: لِي قِبَلَك حَقٌّ. لَمْ يَحْنَثْ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ. الْعَاشِرَةُ، وَكَّلَ وَكِيلًا يَسْتَوْفِي لَهُ حَقَّهُ، فَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْوَكِيلِ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ. وَإِنْ اسْتَوْفَى الْوَكِيلُ، ثُمَّ فَارَقَهُ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ وَكِيلِهِ اسْتِيفَاءٌ لَهُ، يَبْرَأُ بِهِ غَرِيمُهُ، وَيَصِيرُ فِي ضَمَانِ الْمُوَكِّلِ.
[فَصْلٌ: قَالَ: لَا فَارَقْتنِي حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْك فَأُكْرِهَ عَلَى فِرَاقِهِ]
(٨١٢٣) فَصْلٌ: فَأَمَّا إنْ قَالَ: لَا فَارَقْتنِي حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْك. نَظَرْت؛ فَإِنْ فَارَقَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُخْتَارًا، حَنِثَ. وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى فِرَاقِهِ، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ فَارَقَهُ الْحَالِفُ مُخْتَارًا، حَنِثَ، إلَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي تَأْوِيلِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَسَائِرُ الْفُرُوعِ تَأْتِي هَاهُنَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْلٌ: كَانَتْ يَمِينُهُ لَا افْتَرَقْنَا فَهَرَبَ مِنْهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ]
(٨١٢٤) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ: لَا افْتَرَقْنَا فَهَرَبَ مِنْهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، حَنِثَ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَقْتَضِي أَلَّا تَحْصُلَ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ بِوَجْهٍ، وَقَدْ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ بِهَرَبِهِ. وَإِنْ أُكْرِهَا عَلَى الْفُرْقَةِ، لَمْ يَحْنَثْ، إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَرَ الْإِكْرَاهَ عُذْرًا.
[فَصْلٌ: حَلَفَ لَا فَارَقَتْك حَتَّى أُوفِيك حَقّك فَأَبْرَأَهُ الْغَرِيمُ مِنْهُ]
(٨١٢٥) فَصْلٌ: فَإِنْ حَلَفَ: لَا فَارَقْتُك حَتَّى أُوَفِّيَك حَقَّك. فَأَبْرَأَهُ الْغَرِيمُ مِنْهُ، فَهَلْ يَحْنَثُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ بِنَاءً عَلَى الْمُكْرَهِ. وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ عَيْنًا، فَوَهَبَهَا لَهُ الْغَرِيمُ، فَقَبِلَهَا، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ إيفَاءَهَا لَهُ بِاخْتِيَارِهِ. وَإِنْ قَبَضَهَا مِنْهُ، ثُمَّ وَهَبَهَا إيَّاهُ، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ: لَا فَارَقْتُك وَلَك قِبَلِي حَقٌّ. لَمْ يَحْنَثْ إذَا أَبْرَأهُ، أَوْ وَهَبَ الْعَيْنَ لَهُ.